إستراحة الغرباء
النبوات 13401711
إستراحة الغرباء
النبوات 13401711



 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  مركزتحميل  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
:الأســـــم
:كلمة السـر
تذكرنــي؟
المواضيع الأخيرة
goweto_bilobedالسادة ال عواد السعد النعيمالنبوات I_icon_minitimeالجمعة 03 نوفمبر 2017, 8:47 pm من طرفgoweto_bilobedمجموعة اناشيد/ عبدالغفور الشيخ عيسىالنبوات I_icon_minitimeالسبت 18 يوليو 2015, 12:38 pm من طرفgoweto_bilobedرائعه من روائع المنشد سامر الدرة الرب صلى وسلم على المكرمالنبوات I_icon_minitimeالجمعة 04 أكتوبر 2013, 7:37 pm من طرفgoweto_bilobedبدر من طيبه تجلى نو ر الدين خورشيدالنبوات I_icon_minitimeالإثنين 29 أبريل 2013, 4:11 pm من طرفgoweto_bilobedمتكين يصرتنا واحمد احمد...نسعى الى تلك البقاع ونحفدالنبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يناير 2013, 3:24 am من طرفgoweto_bilobedقال سيدي السيد الرفاعي الثاني والعارف الرباني السيد محمد مهدي بهاء الدين الصيادي الشهير بالرواس رضي الله عنه يمدح شيخه وجده وإمامه السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنهما :النبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يناير 2013, 2:57 am من طرفgoweto_bilobedيا حبيب القلوب..........................................الطارقhttps://youtu.be/Ub_tOgUrx1sالنبوات I_icon_minitimeالإثنين 28 يناير 2013, 4:50 pm من طرفgoweto_bilobedكن مع الله ترى الله معك رائعهالنبوات I_icon_minitimeالجمعة 03 أغسطس 2012, 1:14 am من طرفgoweto_bilobedالبــعث والنشـــورالنبوات I_icon_minitimeالأربعاء 18 يوليو 2012, 3:31 pm من طرفgoweto_bilobedآلام التـــزكيةالنبوات I_icon_minitimeالأربعاء 18 يوليو 2012, 3:21 pm من طرفgoweto_bilobedاحاديث في العتره النبويه صحيحه الطارقالنبوات I_icon_minitimeالأحد 01 يوليو 2012, 6:30 pm من طرفgoweto_bilobedاهداء لاخواني في الله دعاء الحبيب الجفري في الشام النبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو 2012, 3:00 pm من طرفgoweto_bilobedخزانة وصل. الشيخ محمود الدره الطارق النبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو 2012, 12:51 am من طرفgoweto_bilobedمجلس للشيخ محمود الدرة بحضورالحبيب الجفري الطارقالنبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو 2012, 12:19 am من طرفgoweto_bilobedالايا الله بنظره من العين الرحيمه الدره الطارقالنبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو 2012, 12:16 am من طرفgoweto_bilobedكفى الرفاعي شرفا تقبيل كف المصطفى الشيخ محمود الدره الطارقالنبوات I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 1:26 pm من طرفgoweto_bilobedمرقد وضريح الشيخ احمد الرفاعي الكبير في العراق الطارقالنبوات I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 1:10 pm من طرفgoweto_bilobedمجلس للشيخ محمود الدرة بحضور الحبيب الجفري النبوات I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 1:04 pm من طرفgoweto_bilobed الشيخ محمود دره كل حسن يبدو لنا من جمال المصطفى الطارقالنبوات I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 1:01 pm من طرفgoweto_bilobedتمسك بالكرام اخي واهجر لئام الناس للشيخ محمود الدره الطارقhالنبوات I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 12:52 pm من طرفgoweto_bilobedيا الهي ما معين العاجزين الشيخ محمود الدره/// رائعه الطارقالنبوات I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 2:21 am من طرفgoweto_bilobedسبحان من ذكره عز لذاكره الطارقالنبوات I_icon_minitimeالسبت 23 يونيو 2012, 3:10 pm من طرفgoweto_bilobedياسيدي يامحمد هاجت اشواقي الطارقالنبوات I_icon_minitimeالسبت 23 يونيو 2012, 2:38 pm من طرفgoweto_bilobedاخذت العهد في اول زماني لقيت العهد غال يا اخواني الطارقالنبوات I_icon_minitimeالسبت 23 يونيو 2012, 2:16 pm من طرفgoweto_bilobedنسب سيدي الإمام أحمد الكبيرالرفاعي رضي الله عنهالنبوات I_icon_minitimeالخميس 07 يونيو 2012, 12:07 am من طرفgoweto_bilobedمقطع فيديو ضرب سلاحالنبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 27 مارس 2012, 2:06 pm من طرفgoweto_bilobedجلسة ذكر بحضور سيد عبدالله المربد ابوالعيشالنبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 27 مارس 2012, 2:01 pm من طرفgoweto_bilobedاللهم صل علي محمد واله الطيبين الطاهرينالنبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 14 فبراير 2012, 3:14 am من طرفgoweto_bilobedالسادة الكروشات بني العروس الحسينية في الاهواز و العراقالنبوات I_icon_minitimeالثلاثاء 14 فبراير 2012, 1:55 am من طرفgoweto_bilobedفى ذكرى مولد خير البريةالنبوات I_icon_minitimeالسبت 04 فبراير 2012, 2:53 pm من طرفgoweto_bilobedقبيلة المجمع في الأحوازالنبوات I_icon_minitimeالخميس 02 فبراير 2012, 11:04 am من طرفgoweto_bilobedعبد الستار الطيار و يوسف عمر / العراق1957 النبوات I_icon_minitimeالأربعاء 01 فبراير 2012, 9:55 pm من طرفgoweto_bilobedمجموعة مدائح الشيخ عبد الوهاب الجنابي 2011النبوات I_icon_minitimeالخميس 15 ديسمبر 2011, 2:39 am من طرفgoweto_bilobedالله جل جلالهالنبوات I_icon_minitimeالأربعاء 14 ديسمبر 2011, 12:07 am من طرفgoweto_bilobedمن أجمل ماقرأتالنبوات I_icon_minitimeالخميس 01 ديسمبر 2011, 3:51 am من طرف

إرسال مساهمة في موضوع
شاطر | 
 

 النبوات

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الاعرجي الحسيني
الاعرجي الحسيني

النبوات Stars13

رقم العضوية : 39
ذكر
عدد المساهمات : 999
نقاط : 1625
العمر : 68
<b><i>البلد</i></b>سوريا

احترام قوانين المنتدى :
النبوات Left_bar_bleue100 / 100100 / 100النبوات Right_bar_bleue

mmsmms

رسالة smsاللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك، اللهم فهب لنا منك ما يرضيك عنا يا وهاب يا كريم.

النبوات Uoou_o12

النبوات Uoou_o10







بطاقة الشخصية
حكمتي بالحياة:

النبوات Empty
مُساهمةموضوع: النبوات   النبوات I_icon_minitimeالإثنين 26 أكتوبر 2009, 7:44 pm

1 - النّبوّات
أ - بداية العصر التّاريخي للإنسان:
يبدو لنا من كلمات أمير المؤمنين علي (ع) أنّ العهد التاريخي للإنسانية بدأ بظاهرة وجود النبوّات في المجتمع البشري. هذه النبوّات الّتي تقود مجتمعاتها نحو حياة أفضل، ووجود إنساني أكمل.
ما قبل التاريخ، إذن، بالنسبة إلى الإنسانيّة، هو ما قبل النبوّات، حيث كانت الإنسانية تعيش في حالة البراءة الفطرية، وكانت النفس الإنسانيّة لا تزال عذراء ساذجة، بدائية، خالية من أيّ تعليم... ولذا فلم تكن لدى الإنسانية في فترة ما قبل التاريخ هذه تجارب ومعاناة يعود عرضها بالفائدة التعليميّة والتربويّة لمجتمع متحضر، تامّ التكوين، على درجة عالية من التعقيد، يفترض فيه أنّه يبنى على هدى خاتمة الرّسالات، وخلاصة النبوّات، وهو مجتمع الأمة الإسلامية.
ولذا لا نجد في جميع الكلام الصادر عن أمير المؤمنين حديثاً عمّا قبل عهد النبوّات، ومن هنا استنتاجنا أنّه يعتبر إشراق النبوّة وظهور الأنبياء في المجتمعات البشريّة بداية العصر التاريخي للبشرية.
وقد بيّن اللّه تعالى في القرآن الكريم تاريخ بداية عهد النّبوّات في المجتمع البشري فقال سبحانه وتعالى:
«كَانَ النّاسُ أمّةً واحِدةً، فبَعثَ اللهُ النّبِيِّين مُبشّرِين ومُنذِرين، وأنزَلَ معهُمُ الكِتابَ بِالحقِّ
لِيحكُم بينَ النّاسِ فِيما اختلفُوا فِيهِ، وما اختلفَ فِيهِ إلا الذِين أُوتُوهُ مِن بعدِ ما جاءتهُمُ البَيّناتُ بغياً بينهُم، فهدَى اللهُ الّذيِنَ آمنوا لِما اختلفُوا فِيهِ مِن الحقِّ بِإذنِهِ، واللّهُ يهدِي مَن يشاءُ إلى صِراطٍ مُستقِيمٍ»1.
«كانَ النّاسُ أمةً واحِدةً»... كان إنسان ما قبل التّاريخ، ما قبل النّبوّات يحيا في وحدة فطرية قائمة على أساس وحدة المصالح ووحدة الدّم من جهة، وعلى عامل سلبي من جهة أخرى هو عدم وجود ما يهدد حالة السكون والخمود الّتي تميّز هذه الحياة نظراً لبساطة الحاجات وتوفّر ما يلبيها ويشبعها في الطبيعة دون حاجة إلى مغالبة وصراع.
ولكن حركة الحياة النامية المتصاعدة، وتزايد عدد أفراد النوع، وتفاوت القدرات العقلية والجسمية... كل ذلك وما يشبهه من عوامل الإنقسام والتعقيد أدّى إلى نشوء خلافات داخل الجماعة البشرية النامية، ومغالبة وصراع بين أفرادها وفئاتها... وربّما كان من مظاهر ذلك أو أوّل مظهر من مظاهر ذلك خلفّيات الجريمة الأولى بين ابنَي آدم حيث قتل أحدهما أخاه، وقد قصّ اللّه تعالى نبأهما في القرآن الكريم2، وتردّدنا في أنّ هذه الجريمة هي من مظاهر ذلك أو أنّها أوّل مظهر من مظاهر ذلك ناشئ من وجود احتمال أنّ «آدم» القرآني لا يمثّل بداية الجنس البشري على الأرض، وإنّما يمثّل بداية النسل البشري الموجود الآن، ويكون، على هذا، قد وجد نسل سابق على النسل الموجود الآن من بداية يمثّلها آدم سابق على آدم القرآني، واللّه تعالى أعلم وعلى هذا تكون آية سورة البقرة (213) موضوع البحث تؤرخ لفترة من عمر البشريّة سابقة على الفترة التي بدأت بآدم القرآني.
وعلى أيّ حال، ففي هذه المرحلة من نموّ الإنسان لم تعد وحدة الدم كافية لتكوين وحدة المجتمع، ولم تعد ثمّة مصالح واحدة أو متّفقة، ولم تعد النفس الإنسانيّة عذراء، ساذجة، بدائية... ويستحيل على النوع الإنساني في أن ينمو - كما أراد اللّه في أوضاع كهذه تقوده فيها غرائزه فقط، ولا مرجح له في خصوماته ومراعاته إلا غرائزه... في هذه
__________________________________
1 . سورة البقرة (مدنيّة - 2) الآية: 213.
2 . سورة المائدة (مدنيّة - 5) الآيات: 27 - 31.
المرحلة من نمو الإنسان قضت حكمة اللّه ورحمته بإرسال الأنبياء حاملين إلى الإنسانية منهاج هدايتها الّذي يخرجها من عهد الغريزة إلى عهد العقل ومن منطق الصراع الّذي مرجعه الغريزة والقوة إلى منطق النظام ومرجعية القانون.
وقد حقّق الإنسان، بإشراق عهد النبوّات، قفزة نوعية عظيمة وحاسمة في تطوّره نحو الأعلى وتكامله، فقد خرج المجتمع البشري بالنبوّات عن كونه تكويناً حيوانياً - بيولوجياً إلى كونه ظاهرة عقلية - روحية.. لقد عقلنت النبوّات المجتمع الإنساني وروحنته.
وحقّقت النّبوّات للإنسان مشروع وحدة أرقى من وحدته الدّموية البيولوجية الّتي كانت سائدة قبل عهد الخلافات والإنقسامات والصراع... وهي الوحدة القائمة على أساس المعتقد، وبذلك تطوّرت العلاقات الإنسانية مرتفعة من علاقات المادّة إلى علاقات المعاني... بعهد النبوّات بدأ عهد الإنسان...
وتمضي الآية الكريمة، بعد التأريخ لهذه المرحلة، في بيان أنّ الإختلافات الّتي نشأت في النوع الإنساني، بعد إشراق عهد النّبوّات، غدت اختلافات في المعنى اختلافات في الدّين والمعتقد، إذ أنّ أسباب الصّراع والبغي من بعض الناس على بعض، واستغلال الأقوياء للضعفاء لم تلغ بالدين الّذي جاءت به النبوات، بل استمرّت وتنوّعت، ولكن المرجع لم يعد الغريزة وإنما غدا القانون هو المرجع، وإذا كان من المستحيل على الإنسانية أن تجد قاعدة لوحدتها وتعاونها عن طريق الغرائز، وعلاقات المادة، فإنّ من الممكن لها أن تجد قاعدة ثابتة لوحدتها وتعاونها وتكاملها عن طريق القانون الذي يتضمّنه الدّين وغير القانون من تربية الدّين وإغنائه لروحية الإنسان وأخلاقيّته، وذلك حين يستبدل الإنسان علاقات المادة بعلاقات المعنى. وعدم بلوغ الإنسانية إلى هذا المرتقى ليس ناشئاً، في عهد النّبوّات، من فقدان الوسائل، وإنما هو ناشئ من سوء الاختيار البشري، ومن سوء استخدام الحرية المعطاة.
لقد أفضنا في الحديث عن بعض جوانب الآية الكريمة لنضيء بها الفكرة التي عبّر عنها الإمام عليه السّلام في شأن النبوات وبداية العصر التاريخي للإنسان إذ قال:

«.. واصطَفى سُبحانَهُ... أنبياءَ أخذَ علَى الوحِي مِيثاقهُم، وعلى تبِليِغ الرسالةِ أمانتهُم، لمّا بدَّل أكثر خلقِهِ عهد اللهِ إليهم، فجهِلُوا حقَّه، واتخذُوا الأندادَ معهُ، واجتالتهُمُ1 الشياطِينُ عن معرِفته، واقتطعتهُم عن عِبادتِهِ، فبعثَ فيِهمُ رُسُلَه، وواترَ2 إليهم أنبياءه،... ولم يُخلِ اللهُ سُبحانهُ خلقهُ مَن نبيٍّ مُرسَلٍ أو كِتابٍ مُنزَلٍ، أو حُجَّةٍ لازِمةٍ أو محجَّةٍ3 قائمةٍ: رُسُل لا تُقَصِّر بِهم قِلّةُ عددِهِم، ولا كثرةُ المُكذِّبين لهُم مِن سابقٍ سُمِّي لهُ مَن بعدهُ، أو غابرٍ عرَّفهُ مَن قبلهُ، على ذلِك نسلتِ القُرونُ، ومضتِ الدّهُورُ، وسلفتِ الآباء، وخلفتِ الأبناءُ»4.
وهكذا يعبّر الإمام عن جوانب من أفق الآية الكريمة، فحين تعقّدت الحياة البشرية نتيجة لنمو المجتمع وتشابك العلاقات فيه، وحين أدّى ذلك إلى تصادم بين ما تقضي به الحياة الإجتماعية من تعاون وما تدفع إليه الغريزة والروح الفردية من استئثار. وحين ترافق هذا مع الإنحراف عن مقتضيات الفطرة المستقيمة العذراء - وإن تكن في ذلك الحين ساذجة - في إدراك الخالق سبحانه وتعالى... حين حدث في حياة الإنسانية كل هذا اقتضى لطف اللّه ورحمته إرسال الأنبياء ليضيئوا عقول الناس، ويرتفعوا بالمجتمع من علاقات المادة - البيولوجيا - إلى علاقات المعنى والقانون.
*
وقد تواترت حركة النّبوّات في تاريخ البشرية: تضيء عقولها، وتصوغ مفاهيمها، تغني حياتها، وتضعها رويداً رويداً على طريق التكامل... تواترت هذه الحركة في خطّ تصاعدي نحو الأكمل والأفضل والأجمل، مستجيبة في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري لحاجات تلك المرحلة، باذرة فيها بذور نموّ آخر في المستقبل يهيئ لمرحلة من التقدم والتكامل جديدة.. إلى أن بلغت حركة النبوات ذروتها في الرسالة الخاتمة الجامعة: رسالة الإسلام على لسان خاتم النبيّين محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
__________________________________
1 . اجتالتهم: صرفتهم عن اللّه.
2 . واتر: تابع.. أرسل الأنبياء يتبع أحدهم الآخر.
3 . المحجة: الطريق المستقيمة الواضحة، يريد هنا الشّريعة الّتي تتبع.
4 . نهج البلاغة - الخطبة الأولى.

قال عليه السلام:
«... إلى أن بعث اللّه سُبحانهُ مُحمّداً رسُولَ اللّه صلَّى اللّه عليِه وآلهِ وسلَّمَ لإنجازِ عِدتِهِ، وإتمامِ نُبوَّتهِ، مأخُوذاً على النّبيِّين مِثاقُهُ، مشهورةً سِماتُهُ1، كريماً مِيلادُهُ»2.
وقال في خطبة أخرى:
«.. بل تعاهدهُم - النّاسَ - بِالحُججِ على ألسُنِ الخِيرّة مِن أنبيائهِ ومُتحمِّلِي ودائِع رِسالاتِهِ قَرناً فقرناً، حتَّى تمّت بِنَبِيِّنَا مُحمَّدٍ صلَّى اللّه عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ حُجَّتُهُ، وبلغَ المقطعَ3 عُذرُهُ ونُذُرُهُ..»4.
ب - وظيفة النّبوّة
ما وظيفة النبوّة في المجتمع البشري ؟
إنّها فيما نفهم من كلمات أمير المؤمنين تتلخص في هدفين كبيرين:
الأول:
وهو أهمهما، إحياء الفطرة الإنسانية الصافية المستقيمة، هذه الفطرة الّتي يهتدي بها الإنسان إلى الإيمان الصحيح باللّه سبحانه وتعالى، ويدرك بها كونه مخلوقاً للّه، ومن ثمّ يدرك موقعه في الكون. ويترتب على هذا الإيمان الواعي تصحيح المسار الإنساني في طريق التكامل بجعل حركة الإنسان التاريخية وثيقة الصّلة بعقيدة التوحيد ومتفرعاتها.
الثاني:
وهو، من بعض الوجوه نتيجة للأوّل، تكوين الحوافز الروحية والنّفسية
__________________________________
1 . السّمة: العلامة، والمراد علامات النّبيّ محمّدٍ الّتي بشَر بها الأنبياء السابقون.
2 . نهج البلاغة - الخطبة الأولى.
3 . المقطع: النّهاية الّتي ليس عليها مزيد. أي أنّ أعذار اللّه وأنذاره تلقيا نهايتهما برسالة محمد (ص).
4 . نهج البلاغة - خطبة الأشباح، رقم: 91.

والإجتماعية لإنجاز عملية التقدّم العقلي والمادّي والإجتماعي في الحياة في صيغة تضمن التوازن بين النموّ الرّوحي - الأخلاقي والنموّ المادّي. وهذه الصّيغة الّتي توازن بين اتجاهي النموّ والنّشاط الإنساني هي الدّين.
وهذه هي وظيفة النبوّة كما تفهم من القرآن الكريم والسّنّة الشّريفة.
فالنّبيّ يخرج الناس من الظلمات إلى النّور في عقائدهم وعلاقاتهم الإجتماعية والسياسية، ويصحّح نظرتهم إلى موقعهم في الكون، ومن ثمّ يوجد الإنسان الصّالح الّذي يسعى نحو التكامل فيحقّق لنفسه التقدّم المتوازن في الشكل والمضمون، في الرّوح والمادّة.
وليس النّبيّ مخترعاً كبيراً ومخططاً عظيماً يبدع الآلات والمؤسسات، وليست النبوّة مركزاً للأبحاث والدّراسات وما إلى ذلك.
إنّ الّذي يخترع الآلات ويُنشئ المؤسسات ويبتكر الخطط هو عقل الإنسان بعد أن تتوفّر له دواعي النموّ والإنطلاق. فاذا تآخت معها قيم الروح والأخلاق حقق الإنسان إنجازات مادّيّة وتنظيمية تتّفق مع مُقتضيات الإيمان، وتوفّر للإنسان حياة سعيدة طيّبة، ورضوان اللّه والنجاة في الآخرة. وإذا لم تتآخ قيم الروح والأخلاق مع دواعي النموّ والإنطلاق في التعامل مع الكون المادّي حقّق الإنسان إنجازات مادّيّة وتنظيمية توفّرُ له القوة واللّذّة والرّخاء دون أن توفّر له السّعادة وطيب بالحياة.
*
وفهمنا لوظيفة النبوّة - كما تعكسها نصوص نهج البلاغة - مستفاد من النصوص الّتي تحدّث فيها الإمام عن حالة العالم عشية بعثة النبي محمّد (ص)، ذلك لأنّ النصوص الّتي تؤرخ للنّبوات السابقة لنبوّة محمد (ص) نادرة من جهة، وتشبه، من جهة أخرى، أن تكون في معظمها مجرد إشارات يغلب عليها طابع الإجمال.
ولكن هذا لا يؤثر شيئاً على سلامة فهمنا لوظيفة النّبوّة، فإنها وظيفة واحدة منذ بداية حركة النبوّات في فجر التاريخ الإنساني إلى ختام النبوّات بنبّوة محمّد (ص) ورسالة الإسلام. ولا توجد اختلافات جوهرية بين النبوّات من حيث وظيفتها

الأساسيّة، والإختلاف الأساسي الوحيد فيما بينها هو في درجة الشّمول والإتساع من حيث مساحة شمول التشريع للنشاط البشري من جهة، ومن حيث عُموم الرسالات بالنسبة إلى الشّعوب من جهة أخرى.
*
قال عليه السّلام:
«... فَبعثَ فيِهم رُسُلَهُ، وواترَ إليهم أنبياءهُ لِيستأدُوهُم مِيثاق فِطرتِه، ويُذكِّروهُم منسِيَّ نِعمتِهِ، ويحتجُّوا عليِهم بِالتّبليغ، ويُثيروا لهُم دفائنَ العُقولِ، ويُرُوهُم آياتِ المقدِرةِ: مِن سقفٍ فوقهُم مرفُوعٍ، ومِهادٍ تحتهُم موضُوعٍ، ومعايِش تُحييهِم، وآجالٍ تُفنِيهِم وأوصابٍ1 تُهرِمُهم، وأحداثٍ تتابعُ عليهِم..»2.
إحتوى هذا النّص الّذي يؤرخ للنّبوّات السّابقة على القضايا التّالية في معرض بيان الغاية من إرسال الأنبياء:
1 - ميثاق الفطرة:
وهذه القضية تعني مسألة الإيمان باللّه تعالى، وما يتفرع عن هذا الإيمان من قضايا أساسية تنبع منه وتتصل بكافة شؤون الحياة.
وما عبّر عنه الإمام هنا وفي مواضع أخرى من خطب وتوجيهات هو تعبير عن حقيقة كبرى من الحقائق القرآنية، ورد النّبي عليها أو الإشارة إليها في عدّة آيات منها قوله تعالى:
«وإذ أخذَ رَبُّكَ مِن بنِي آدمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرّيَّتهُم وأشهدَهُم على أَنفُسِهِم: أَلستُ بِربّكُم ؟ قالُوا: بلى شهِدنا، أن تقُولُوا يوم الِقيامةِ إِنَّا كُنّا عن هذا غافِلينَ. أَو تقُولُوا إِنَّمَا أشرك آباؤُنا مِن قبلُ، وكُنَّا ذُرِّيَّةً مِن بعدِهِم، أفتُهلِكُنا بِما فعلَ المُبطِلُونَ»3.
__________________________________
1 . الأوصاب: المَتاعِب.
2 . نهج البلاغة: الخطبة الأولى.
3 . سورة الأعراف (مكية - 7) الآية: 172 - 173.

وقد تكرّر ذكر هذه القضية الإيمانية الكبرى في جميع النصوص التي أرّخ فيها الإمام للنبوّات.
2 - إثارة دفائن العقول:
وهذه القضية تعني بعث القوى العقلية والنّفسية في الإنسان لإنجاز عملية التقدم الصحيح والتغيير الإيجابي في المجتمع عن طريق الحركة التاريخية المستبطنة للوعي الإيماني المستقيم.
3 - جعل الطّبيعة موضوعاً للبحث والنظرة:
هذه القضية دلّ عليها قوله: «... وَيُرُوهُم آياتِ المَقدِرَةِ...».
وهذه القضية تخدم القضيتين الأوليين، فإنّ مراقبة الطبيعة لفهمها، والتعامل معها واكتشافها تعزّز قضية الإيمان لأنها تقدِّم مزيداً من الأدلّة التجريبية على ما أدركته الفطرة السليمة من قضايا الألوهة. كذلك يعين التعامل مع الطبيعة بصورة مباشرة على إنجاز عملية التقدم، بل شرط أساسي لإنجاز التقدم المادّي، وإذ تتخذ قضية الإيمان في ذات الإنسان مع حركته التاريخيّة في الطّبيعة والمجتمع فيكون تقدم على هدى الإيمان وأخلاقيات الروح والعقل، ويكون إيمان يستجيب للحياة الدنيا ولا يقف منها موقف الرفض والعداء.
*
في نص آخر أرّخ الإمام للعالَم حين بعثة النبي محمد (ص) فقال:
«... إلى أن بَعثَ اللّه سُبحانَهُ مُحمّداً (ص)... وَأَهلُ الأرِض يومئذٍ مِلَلُ مُتفرِّقة، وأهواء مُنتَشِرة، وطرائقُ مُتَشتِّتَة، بينَ مُشَبِّهٍ للّه بِخلقِهِ أو مُلُحِدٍ فِي اسمِهِ، أو مُشِيرٍ إلى غيرِهِ، فهداهُم بِهِ مِن الضّلالَةِ، وأَنقذَهُم بِمَكانِهِ مِنَ الجهالَةِ...»1.
وقال في نصّ ثانٍ:
__________________________________
1 . نهج البلاغة - الخطبة الأولى.

«بَعثهُ والنّاسُ ضُلال فِي حَيرةً، وحاطِبُونَ1 فِي فِتنةٍ، قدِ استهوتهُمُ الأهواء، واستنزلتهُمُ الكِبرِياءُ2، واستخفَّتهُمُ3 الجاهِليّةُ الجهلاء. حيارى فِي زلزالٍ مِن الأمرِ وبلاءٍ مِن الجهلِ، فبالَغ (ص) فِي النّصِيحَةِ، ومضى على الطّرِيقة، ودعا إلى الحِكمَةِ والموعِظةِ الحسنَةِ»4.
وقال في نصّ ثالث:
«وأَشهدُ أنّ محمّداً عبدُهُ ورسُولُهُ، أرسلهُ بِالدِّينِ المشهُورِ... والنّاسُ فِي فِتنٍ انجذمَ5 فِيها حبلُ الدِّينِ، وتزعزعت سَوارِي6 اليقِنِ، واختلف النّجرُ7 وتشتَّت الأمرُ، وضاقَ المخرجُ وعمِيَ المصدَرُ، فالهُدى خامِل والعمى شامِل، عُصِي الرّحمانُ ونُصِرَ الشّيطانُ، وخُذِلَ الإيمَانُ، فانهارت دعائمُهُ، وتنَكّرت معالِمُهُ، ودرست سُبُلُهُ، وعفت شُرُكُهُ8 أطاعُوا الشّيطانَ فسلكُوا مسالِكَهُ، ووردُوا مناهِلهُ9، بِهِم سارت أعلامُهُ، وقام لِواؤُهُ، فِي فِتنٍ داستهُم بِأخفافِها، ووطِئتهُم بِأَظلافِها وقامت على سَنابِكِها10 فهُم فِيها تائهُون... حائرُون... جاهِلُون... مفتُونُون...»11.
أشار الإمام في هذه النّصوص إلى وجوه الفساد الّتي كان يعاني منها العالم عشية بعثة رسول اللّه (ص)، وهي وجوه الفساد الكبرى في كلّ عصر وفي كلّ أمّة، فإصلاحها هو وظيفة النّبوّة في حركتها الصاعدة منذ بدأت في مستهلّ التاريخ البشري إلى أن ختمت بمحمّد (ص).
__________________________________
1 . الحاطب هو الّذي يجمع الحطب، يقال لمن يأخذ بالصّواب والخطأ دون تمييز: حاطب ليلٍ، شبه للفتنة باللّيل الّذي تلتبس فيه الأشياء لظلامه حيث أنّ الحق يلتبس فيها بالباطل.
2 . استزلَّتهم: أوقعتهُم الكبرياءُ فِي الزّللِ والسّقوطِ، يعني بذلك فساد حياتهم الإجتماعية.
3 . استَخفَّتهُم: جَعلتهُم طائشينَ مُندفِعينَ وراء شهواتِهم الجسدية والنفسية دون كابح ورادع.
4 . نهج البلاغة، رقم الخطبة: 95.
5 . انجذم: انقطع.
6 . السّارية: هي العمود، يدعم بها السقف، والجمع سوارٍ.
7 . النّجر: الأصل، ومثله: النجار.
8 . درست واندرست بمعنى زالت وانطمست. والشّرك - بضم الرّاء - جمع شراك، وعفت شركه بمعنى انطمست.
9 . المناهل: جمع منهل، مورد النهر.
10 . الأخفاف جمع خُفّ، وهو للبعير كالقدم للإنسان، والأظلاف جمع ظِلْف للبقر والشّاء. والسّنابك جمع سُنبك: طرف الحافر.
11 . نهج البلاغة، رقم الخطبة: 2.
الأوّل:
الضّلال في العقيدة، فَالنّاسُ ضُلال فِي حَيْرَةٍ... وَحاطِبُون فِي فتنَةٍ، وَهُم حائرونَ لأنّه حيث لا يستقر الإنسان على عقيدة أو يؤدي به الفساد العام إلى عقيدة باطلة، فإنّه يشعر بالضياع ويشعر بانعدام الهدف... إِنعدام المعنى من وجوده، يشعر بالعبث حين يواجه نفسه بسؤال: مَن أنا ؟ لماذا أنا هنا ؟ ما المعنى لوجودي ؟ ... وهكذا يمضي هذا الإنسان الضائع في التماس الجواب حيث لا جواب، لأنّه «.. بين مشبّه للّه بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره».
الثّاني:
الفساد السياسي والإجتماعي، فالناس قد أوقعتهم كبرياؤهم الّتي لا مبرّر لها في الزّلل والسّقوط الحضاري، فحملت أقوياءهم على احتقار ضعفائهم وفقرائهم... وخاصّتهم إلى الإستهانة بعامّتهم، فهانت كرامة الإنسان من حيث هو إنسان، وغدا مقياس الكرامة خاضعاً لعوامل غير إنسانية: للثّروة، أو للقوة، أو للنسب، وما إليها. لقد غدا الناس - نتيجة لذلك مَللاً متفرقةً متناحرةً، لكلّ ملّة مذهب وطريق، ولكلّ فئة هوى واتجاه، ولكلّ فريق منهج وغاية، والكل مفتون برأيه، مأخوذ بهواه، يعمل على شاكلته.
والنّبوّة تعالج وجوه الفساد كلّها في الإنسان والمجتمع، في الرّوح وفي المادة، والمؤسسات لتحقق الغاية العظيمة النبيلة، وهي تكوين الإنسان المتكامل.
وقد أعلن الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين هدفهم هذا على مدى التاريخ، كلّ واحد منهم في المحيط الذي بعث إليه في الزّمان الّذي كان فيه.. إلى أن ختمت النبوّة بمحمد (ص) فكان هذا الهدف العظيم بحجم امتداد الرسالة الخاتمة في الزمان والمكان على مستوى البشريّة كلّها وعلى مدى المستقبل كله... إِلى نهاية الزمان: «فبالغ (ص) في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة»... «... فهداهم به من الضّلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة».
وقد أثمر جهد الأنبياء العظيم النبيل وجهادهم ومن اتبعهم وجرى على سنتهم -
أثمر تحقيق هذا الهدف العظيم الذي هو وضع الإنسانية على طريق التكامل.
وربّما كان هذا القول مثيراً للدّهشة والتّعجب، والتّساؤل:
كيف حقّق الأنبياء الكرام هدفهم هذا ولم يؤمن بهم إِلا القليل، وأعرض عنهم أكثر الناس، بل حاربوهم ورفضوهم.. ؟
إنّ هدف النبوّة قد تحقق في كلّ عصر، وعلى عهد كلّ نبيّ في صورتين:
إحداهما: فيمن آمن بالنّبيّ وصدّق به واتبع منهاجه، فالتزم في حياته العامة والخاصة بالعقيدة والشريعة اللّتين اشتملت عليهما رسالته.
والصّورة الأخرى: تتمثّل في الجو الثّقافي والرّوحي العام الّذي اشاعته الرّسالة النّبوية في المجتمع نتيجة لتبليغ النبي وأتباعه، وللصراع الفكري والإجتماعي الّذي ولّدته الرّسالة في المجتمع، فإنّ هذا المناخ الثقافي يترك آثاره بلا شكّ على المفاهيم والمؤسسات والقيم والقناعات الّتي تسود المجتمع، ويدفع بها نحو التغيير بصورة لا شعورية، فينتقل المجتمع إلى حالة أفضل في علاقاته وقيمه ومؤسساته وحوافز العمل فيه، وإن كان أكثر هذا المجتمع كافراً برسالة النّبيّ.
ومن هنا كان الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين هم آباء الحضارة الإنسانيّة والمدنية الإنسانيّة. وما من خير بلغته وتمتعت به البشريّة في عقولها وأذواقها وقيمها ومؤسساتها وحوافز العمل من أجل التقدم المادي عندها إِلا وللأنبياء فيه فضل كبير، لأنّهم - على مدى التاريخ - أشاعوا، بما بثّوه من الوحي الإلهي في الناس، وحدة جديدة في كلّ مجتمع تنبثّ كالنّور... كالعافية فيه فتضيء، بدرجات متفاوتة، مناطق الظلمة، وتلمس - بدرجات متفاوتة - مناطق البؤس والمرض فيه. وكان تأثير هذه الروح النبويّة متفاوتاً بنسبة مقاومة قوى الشر حين تعي درجة تأثير الخير النبوي، وبقاء هذا الخير حراً في التأثير حين تغفل قوى الشرعية أو ترى لنفسها مصلحة فيه.
وهكذا، فمن هذا المنظور نفهم أنّ كلّ نبي قد هدى اللّه به الناس من الضّلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة. فهم صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين آباء الإنسانية الكرام، وآباء الحضارة العظام.
وهذا نصّ آخر يضيء به الإمام جانباً آخر من جوانب وظيفة النبوّة في نطاق الهدفين العظيمين، قال عليه السّلام:
«قَد صُرِفَت نحوهُ أفئدةُ الأبرارِ، وثُنِيت إليهِ أزمَّةُ الأَبصارِ. دفنَ اللهُ بِهِ الضّغائنَ1 وأَطفأ بِهِ الثَّوائرَ2. ألَّفَ بِهِ إخواناً، وفرَّقَ بِهِ أقراناً. أعزَّ بِهِ الذِّلّةَ، وأذَلَّ بِهِ العِزَّة»3.
في هذا النّصّ كشف الإمام عن عمل النبوّة في تغيير القيم السائدة في المجتمع، هذه القيم الّتي تحكم وتوجه العلاقات داخل المجتمع بين فئاته وأفراده، وإبدالها بقيم أخرى متّسقة في طبيعتها مع طبيعة الرّسالة النبوية لأنها مستمدة منها. وما يترتب على ذلك من تغيّر في المفاهيم والقناعات، ومن تبدل في نوع العلاقات نتيجة لتبدل القيم الجاهليّة بالقيم النبويّة.
لقد ثنيت أزمّة الأبصار نحو الرّسول الأكرم (ص) كما كانت تثنى نحو كل نبيّ في مجتمعه، لأنه قد أثار اهتمام الناس كلّهم، وأوجد هزّة راحت تنداح على المجتمع كلّه وتنفذ في أعماقه. وهذه الفكرة تضيء التحليل الّذي بيّنا فيه آنفاً أنّ أثر النبوّة الخيّرة لا يقتصر على المؤمنين بالنبي ورسالته وحدهم، وإِنّما يتعداهم ليشمل ببركاته المجتمع كله.
لقد أدّت القيم الجديدة الّتي جاء بها النّبيّ إِلى تغيير المفاهيم، ومن ثمّ إِلى تغيير عميق وجذري في العلاقات الإجتماعيّة بين الأفراد والفئات، وإِلى إحداث التّبدّلات الإجتماعية.
لقد دفنت به الضغائن، لأن أسباب تولّدها قد زالت، ومن ثمّ فقد زالت أسباب تفجّرها فزالت الثوائر.
لقد نعم المجتمع كلّه بدرجة عالية من الإستقرار والطمأنينة بعد أن انخفضت إلى أدنى الدرجات مظاهر العنف والتوتر فيه نتيجة لتبدّل المفاهيم والقيم الّتي كانت
__________________________________
1 . الضّغائن: الأحقاد المكتومة.
2 . الثّوائر: الأحقاد المتفجّرة في أعمال عدائية عنفية ومعارك.
3 . نهج البلاغة، رقم الخطبة 96.
سائدة فيه بمفاهيم وقيم أخرى بثّتها النبوّة.
وقد أدّت القيم الجديدة إلى إيجاد علاقات جديدة:
فألّف اللّه بالنبي... بالقيم الّتي بشّر بها وأذاعها في الناس، إخواناً في الإيمان، وفرقت هذه القيم الإيمانية بين أقران اختلفت بهم الطريق حين هتف صوت النبوّة في المجتمع، فسلك بعضهم طريق الإيمان وبقي الآخر على طريقه القديمة، وقيمه القديمة، طريق الجاهلية وقيم الجاهلية.
كما أدّت هذه القيم الجديدة إلى تغيير في المراتب الإجتماعية، لأنّ القيم القديمة التي كانت تجعل أساس الترتيب في البنية الإجتماعية بين الأشخاص أو الفئات متمثلاً في المال، أو السلالة والنسب، أو القوة الحربية... هذه القيم قد زالت وحلّت محلها قيمة جديدة غدت هي الأساس الّذي يقوم عليه الترتيب الإجتماعي، وهي التّقوى1، ومن ثم فقد أعزّ اللّه بالنبي... بالقيم الّتي جاء بها الذّلة الّتي كانت تفرضها القيم الجاهلية القديمة على الفقراء والمستضعفين، وأذلّ به العزّة الّتي كانت تنشأ من قيم غير إيمانية.
من تاريخنا الإسلامي تحفل السيرة النبوية بمئات من الشّواهد والنّماذج.
فالأذلاء في الجاهلية كعمّار بن ياسر وبلال الحبشي غدوا أعزاء في المجتمع الجديد، لأنّ القيم الجاهليّة الّتي كانت تفرض عليهم أن يكونوا أذلاء في مرتبة اجتماعية متدنية قد زالت بالإسلام. وجاء الإسلام بقيم جديدة غيّرت موقعهم في المجتمع فجعلتهم من النخبة، والأعزاء في الجاهلية غدوا أذلاء لأنّ القيم الّتي كانوا يتكئون عليها ويستمدون منها اعتبارهم الإجتماعي ويتبوّؤن مركز النخبة فيه... هذه القيم قد زالت بالإسلام وحلّت محلّها قيمة جديدة هي التقوى، وحيث أنهم لم يتحلّوا بهذه القيمة الجديدة فقد غدوا من الأذلاء.
*
1 - في شرح مفهوم التقوى الإسلامي وبيان مكوّناته وأبعاده راجع كتابنا (دراسات في نهج البلاغة) فصل: المجتمع والطبقات الإجتماعية.
وثمة نصوص في نهج البلاغة تحدث فيها الإمام عن حالة العرب بالنّسبة إلى تأثير النبوّة في أوضاعهم الحياتية والمعنوية.
ففي النص التالي صوّر أمير المؤمنين حالة المجتمع العربي الجاهلي عشية بعثة النبي محمد (ص)، في جميع وجوه حياته الّتي كان عليها من النّواحي الرّوحية والإجتماعية والأخلاقية. قال عليه السّلام:
«إنّ اللهَ بعثَ مُحمّداً (ص) نَذِيراً للعالَمِين، وأميناً على التَّنزيلِ، وأنتُم معشرَ العربِ على شرِّ دِينٍ وفِي شرِّ دارٍ مُنِيخون1 بينَ حِجارَةٍ خُشنٍ وحيَّاتٍ صُمٍّ2 تشربُون الكَدِر، وتأكُلُون الجشِبَ3، وتسفِكُون دِماءكُم وتقطعُون أرحامكُم، الأصنام فِيكُم منصوبَة والآثامُ بِكم معصُوبة4»5.
إنّهم كانوا على شرّ دينٍ.
كانت الأصنام فيهم منصوبة يتوجهون إليها بالعبادة والضراعة، كانوا، إذن، وثنيّين، وكانت وثنيّتهم، الّتي استعاروها من هنا وهناك، بدائية متخلفة خالية من الجمال الفنّي والذوق إضافة إلى خلوها، بطبيعة الحال، من كلّ مضمون روحي سليم وكانوا في شر دارٍ.
كانت دارهم البادية القاحلة المجدبة الّتي تفرض عليهم شروط حياة صعبة قاسية جعلت من حياتهم سلسلة من الأخطار والمتاعب وألوان الحرمان.
وكانوا - بسبب ما هم عليه من إفلاس روحي لأنهم على شرّ دين، ومن تخلف في حياتهم المادّيّة لأنهم في شرّ دار - ... بسبب هذا وذاك - كانوا على شرّ حال في حياتهم الإجتماعية وعلاقاتهم الإنسانية، فهم يقطعون أرحامهم، وهم يسفكون دماءهم.
__________________________________
1 . منيخون: مقيمون.
2 . خشن: من الخشونة. والحيّات الصّم أخبث أنواع الحيّات. كنى عن صعوبة مناخ البادية وقساوة العيش فيها.
3 . الكَدِر: الماء الذّي يخالطه الطين وغيره، والجَشب من الطعام: الغليظ الخشن كناية عن بؤس حياتهم وفقرها، وانعدام وسائل الراحة فيها.
4 . معصوبة: مشدودة، كناية عن استمرارهم على المعصية.
5 - نهج البلاغة: رقم الخطبة 26.
وهم - بالإجمال - يكدحون بأستمرار لتوفير حياة متخلفة، قاسية، فقيرة في الشكل والمضمون في ظل علاقات اجتماعيّة وإنسانيّة فاسدة.
*
في نصّ آخر يؤرخ الإمام للتغيير الّذي أدخلته النبوّة على حياة العرب، ويسجّل ملامح عامة للحال الّتي انتقلوا منها وللحال الّتي صاروا إليها بعد الإسلام.
قال عليه السّلام:
«أمّا بعدُ فإنَّ الله سُبحانهُ بعثَ مُحمّداً (ص) وليس أحد مِن العربِ يقرأُ كِتاباً ولا يدّعِي نُبوَّةً ولا وحياً، فقاتلَ بِمن أطاعُ من عصاهُ، يسُوقُهُم إلى منجاتِهِم، ويُبادِرُ بِهِمُ السّاعة أن تنزِلَ بِهِم يحسِرُ الحسِيرُ ويقِفُ الكسِيرُ1 فَيُقِيم عليهِ حتى يُلحِقهُ غايتهُ، إلا هالِكاً لا خير فيِهِ، حتَّى أرأهُم منجاتُهم2 وبوّأهُم محلَّتَهُم3، فاستدارَت رحاهُم4 واستقامَت قناتَهُم»5.
كان العرب أمّيّين لا يقرأون ومن ثمّ فقد كان الجهل سائداً فيهم، وكانوا بعيدي عهد بالنبوّات ورسالات السماء ومن ثم فقد كانت حياتهم الروحية فقيرة هزيلة مشوّهة. وقد جهد رسول اللّه في إخراجهم من الظلمات... كلّ الظلمات: ظلمات الروح والعقل والحياة، إلى كلّ النور، من التخلف إلى التقدم، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن العمى الرّوحي إلى نعمة الإيمان الكبرى.
وبذلك بلغهم ساحل النجاة في الدنيا والآخرة.
وبذلك أعطاهم دوراً عالمياً - بما هم مسلمون - يحملون فيه الهدى والنور والكرامة إلى جميع الأمم بعد أن كانوا كمية مهملة لا قيمة لها ولا قدر ولا دور.
__________________________________
1 . الحسير هو الّذي أصابه الإعياء والتعب. والكسير المكسور الّذي لا يقوى على السير، يريد أنّ النبي كان تحريضه على الإسلام وإشفاقه على المسلمين يلاحظ حال من حدثت عنده شبهة أو خالط قلبه ريب في الدّين فلا يزال يرشده برفق وحب حتى يزيل من قلبه الريب ويجلو عن عقله الشبهة.
2 . منجاتهم: ما به نجاتهم وهو الإسلام.
3 . محلتهم: مركزهم في المجتمع العالمي، وكونهم ذوي رسالة عالمية هي الإسلام.
4 . استدارة الرّحى كناية عن وفرة الأرزاق. واستقامة القناة كناية عن صلاح الحال واستقرار الحياة.
5 . نهج البلاغة: رقم الخطبة 104.
وبذلك أعطاهم لين الحياة، وكرامة الحياة، واستقرار الحياة.
ولم تعد حياتهم قاسية صعبة، بل لقد استدارت رحاهم بالأرزاق.
ولم تعد حياتهم متوجسة متوحشة، بل لقد استقرت واطمأنت.
واستقامت قناتهم لم تعد مشرعة لأجل العدوان أو لأجل رد العدوان.
*
سلام اللّه وتحيّاته على جميع الأنبياء والمرسلين.
جميع المواضيع و الردود تعبر عن الرأي الشخصي للعضو وادارة منتدى استراحة الغرباء لاتتحمل اية مسئولية اتجاه الغير

تنبيه
الموضوع الأصلي : النبوات -||- المصدر : استراحة الغرباء -||- الكاتب : الاعرجي الحسيني

Untitled 2

اخر مواضيع منتدى استراحة الغرباء

↑ Grab this Headline Animator

توقيع الاعرجي الحسيني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
♥ غلا الروح ♥
♥ غلا الروح ♥


رقم العضوية : 2
انثى
عدد المساهمات : 900
نقاط : 1415
<b><i>البلد</i></b>الكويت

احترام قوانين المنتدى :
النبوات Left_bar_bleue100 / 100100 / 100النبوات Right_bar_bleue

mmsالنبوات 1yebjg20

رسالة smsاللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك، اللهم فهب لنا منك ما يرضيك عنا يا وهاب يا كريم.

النبوات

بطاقة الشخصية
حكمتي بالحياة: علمتني الحياة أن أجعل قلبي مدينة بيوتها المحبة

النبوات Empty
مُساهمةموضوع: رد: النبوات   النبوات I_icon_minitimeالجمعة 30 أكتوبر 2009, 3:24 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
جميع المواضيع و الردود تعبر عن الرأي الشخصي للعضو وادارة منتدى استراحة الغرباء لاتتحمل اية مسئولية اتجاه الغير

تنبيه
الموضوع الأصلي : النبوات -||- المصدر : استراحة الغرباء -||- الكاتب : ♥ غلا الروح ♥

Untitled 2

اخر مواضيع منتدى استراحة الغرباء

↑ Grab this Headline Animator

توقيع ♥ غلا الروح ♥
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الاعرجي الحسيني
الاعرجي الحسيني

النبوات Stars13

رقم العضوية : 39
ذكر
عدد المساهمات : 999
نقاط : 1625
العمر : 68
<b><i>البلد</i></b>سوريا

احترام قوانين المنتدى :
النبوات Left_bar_bleue100 / 100100 / 100النبوات Right_bar_bleue

mmsmms

رسالة smsاللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك، اللهم فهب لنا منك ما يرضيك عنا يا وهاب يا كريم.

النبوات Uoou_o12

النبوات Uoou_o10







بطاقة الشخصية
حكمتي بالحياة:

النبوات Empty
مُساهمةموضوع: رد: النبوات   النبوات I_icon_minitimeالجمعة 30 أكتوبر 2009, 5:39 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
جميع المواضيع و الردود تعبر عن الرأي الشخصي للعضو وادارة منتدى استراحة الغرباء لاتتحمل اية مسئولية اتجاه الغير

تنبيه
الموضوع الأصلي : النبوات -||- المصدر : استراحة الغرباء -||- الكاتب : الاعرجي الحسيني

Untitled 2

اخر مواضيع منتدى استراحة الغرباء

↑ Grab this Headline Animator

توقيع الاعرجي الحسيني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

النبوات

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

خدمات الموضوع
 KonuLinki رابط الموضوع
 Konu BBCode BBCode
 KonuHTML Kodu HTMLcode
إذا وجدت وصلات لاتعمل في الموضوع او أن الموضوع [ النبوات ] مخالف ,, من فضلك راسل الإدارة من هنا
صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إستراحة الغرباء :: نور على الطريق :: التاريخ وسير أعلام االإسلام-
إرسال مساهمة في موضوع
©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع