عوتِب طفيلي على التطفيل فقال: ولله ما بُنِيت المنازلُ إلا لِتُدْخَل، ولا نصبت الموائد إلا لتُؤكل، وإني لأجمع فيها خلالاً؛ أدخل مُجالِساً، وأَقعد مؤانساً، وأنبسط وإن كان ربُّ الدار عابساً؛ ولا أتكلّف مَغْرَماً، ولا أنفِق درهماً، ولا أتعب خادماً.
وقال ابن الدراج الطفيلي لأصحابه: لا يهولنَّكم إغلاقُ الباب، ولا شدّة الحِجاب، وسوء الجواب، وعبوس البواب، ولا تحذير الغراب، ولا منابذة الألقاب؛ فإنَّ ذلك صائر بكم إلى محمول النوال، ومُغِنٍ لكم عن ذُلِّ السؤال، واحتملوا اللَّكْزَة المُوهِنة، واللَّطْمَة المزمنة، في جنب الظفر بالبُغْيَة؟ والدرَك للأُمنية، والزَموا الطَوْزَجَة للمعاشرين، والخِفّة للواردين والصادرين، والتملّق للمُلْهين والمطربين، والبشاشة للخادمين والموكلين؛ فإذا وصلتم إلى مُرَادكم فكلُوا محتكرين، وادِّخروا لغؤكم مجتهدين؛ فإنكم أحقّ بالطعام ممن دعِي إليه، وأولَى به ممن وُضع له، فكونوا لوقته حافظين، وفي طَلبه مُشَمّرين، واذكروا قول أبي نواس: الطويل:
لِنَخمس مالَ الله من كلِّ فاجر ... وفِي بِطْنَةٍ للطيِّبَاتِ أَكُولِ
هذا يقوله أبو بواس في أبيات تُسْتَنْدَر كلُّها، ويستظرف جلُّهَا، وهي
وخَيْمةِ نَاطورٍ برَأسِ مُنِيفةٍ ... تَهُمُّ يدَا مَنْ رامَها بِزَليل
إذا عارضتها الشمسُ فاءت ظلالُها ... وإن وَاجهَتْها آذنَتْ بدُخولِ
حطَطْناَ بها الأثْقالَ فَلَّ هجيرةٍ ... عَبُورِيَّةٍ تُذْكى بغَيْرِ فَتِيل
تأنَّت قليلا ًثم فاءَتْ بمَذْقَةٍ ... من الظلِّ في رثِّ الإناء ضَئيلِ
كأنَّا لدَيْها بين عِطفَيْ نَعَامةٍ ... جَفَا زَوْرُها عن مَبْرَكٍ ومَقِيل
حَلَبت لأصحابي بها دِرَّةَ الصِّبا ... بصفراءَ من ماءِ الكروم شَمُولِ
إذا ما أتت دون اللّهَاةِ من الفتى ... دعا همُّهُ من صدْرِه برَحِيلِ
فلمّا توافَى الليل جنْحاً من الدُّجى ... تصابَيْت واستجملتُ غيرَ جميلِ
وأعطيت مَن أهوى الحديثَ كما بَدَا ... وذلَّلْتُ صَعْباً كان غير ذلول
فغنَّى وقد وَسَّدت يُسرايَ خَدَّه ... إلا ربما طالبتُ غَيْرَ مُنيلِ
فأنزلْتُ حاجاتي بحِقْوَي مُساعدي ... وإن كان أدنى صاحبٍ، وخليل
فأصبحت أَلحَى السُكْرَ والسكرُ محسنٌ ... إلا ربَّ إحسان عليكَ ثقيل
كفى حَزَناً أنّ الجواد مقتَّرٌ ... عليه، ولا معروفَ عند بخيل
سأبغي الغِنى إما وزيرَ خليفة ... يقومُ سواءً أو مخيفَ سبيلِ
بكل فتًى لا يُسْتَطارُ فؤادهُ ... إذا نوَّه الزحْفَانِ باسم قتيل
لنَخْمُس مالَ الله من كل فاجرٍ ... وذي بِطْنَةٍ للطيبات أكُول
ألم تر أنَّ المال عَوْنٌ على الثُقى ... ولَيْسَ جَوَادٌ مُعْدِمٌ كبَخِيلِ