اختلاف قلوب الأولياء
إن قلوب الأولياء والسالكين مرآت تجليات الحق ومحل ظهوره، كما قال تعالى:" يا موسى لا يسعني أرضي ولا سمائي، ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن". إلاّ أنّ القلوب مختلفة في بروز التجليات فيها، فرُبّ قلب عشقي ذوقي تجلّى عليه ربّه بالجمال والحسن والبهاء، وقلب خوفي تجلى عليه بالجلال والعظمة والكبرياء والهيبة، وقلب ذو وجهتين تجلى عليه بالجلال والجمال والصفات المتقابلة أو تجلى عليه بالاسم الأعظم الجامع. وهذا المقام مختص بخاتم الأنبياء وأوصيائه عليهم السلام. ولهذا خصّ الشيخ الأعرابي حكمته بالفردية لانفراده بمقام الجمعية الإلهية دون ساير الأولياء. فإن كل واحد منهم تجلى عليه ربّه باسم مناسب بحاله: أما بصفة الجلال كشيخ الأنبياء والمرسلين صلوات اللّه عليه وعليهم أجمعين، فإنّه عليه السلام لاستغراقه في بحر عشقه تعالى وهيمانه في نور جماله تجلّى عليه ربّه بالجمال من وراء الجلال، ولهذا اختص بالخلّة وأصبحت حكمته مهيمنيّة، وكيحيى عليه السلام، فإنّ
[لبه كان خاضعاً خاشعاً منقبضاً. فتجلّى عليه ربه بصفة الجلال من العظمة والكبرياء والقهر والسلطنة. ولهذا خصّت حكمته بالجلالية. وإمّا تجلى عليه ربه بالجمال كعيسى عليه السلام، ولهذا قال في جواب يحيى عليه السلام حين اعترض عليه معاتباً حين رآه يضحك فقال:"كأنّك قد أمنت مكر اللّه وعذابه؟" بقوله عليه السلام:"كأنّك قد آيست من فضل الله ورحمته"، فأوحي إليهما: "أحبّكما إليّ أحسنكما ظنّاً بي"، فيحيى عليه السلام بمناسبة قلبه ونشأته تجلّى عليه ربّه بالقهر والسلطنة، فاعترض بما اعترض، وعيسى عليه السلام بمقتضى نشأته ومقامه تجلّى عليه باللطف والرحمة، فأجاب بما أجاب، ووحيه تعالى بأنّ أحبّكما إليّ أحسنكما ظناً بي بمناسبة سبق الرحمة على الغضب وظهور المحبة الإلهيّة في مظاهر الجمال أوّلاً كما ورد: يا من رحمته سبقت غضبه
من كتاب شرح دعاء السحر
جميع المواضيع و الردود تعبر عن الرأي الشخصي للعضو وادارة منتدى استراحة الغرباء لاتتحمل اية مسئولية اتجاه الغير