إستراحة الغرباء
آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته 13401711
إستراحة الغرباء
آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته 13401711



 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  مركزتحميل  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
:الأســـــم
:كلمة السـر
تذكرنــي؟
المواضيع الأخيرة
goweto_bilobedالسادة ال عواد السعد النعيمآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالجمعة 03 نوفمبر 2017, 8:47 pm من طرفgoweto_bilobedمجموعة اناشيد/ عبدالغفور الشيخ عيسىآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالسبت 18 يوليو 2015, 12:38 pm من طرفgoweto_bilobedرائعه من روائع المنشد سامر الدرة الرب صلى وسلم على المكرمآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالجمعة 04 أكتوبر 2013, 7:37 pm من طرفgoweto_bilobedبدر من طيبه تجلى نو ر الدين خورشيدآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالإثنين 29 أبريل 2013, 4:11 pm من طرفgoweto_bilobedمتكين يصرتنا واحمد احمد...نسعى الى تلك البقاع ونحفدآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يناير 2013, 3:24 am من طرفgoweto_bilobedقال سيدي السيد الرفاعي الثاني والعارف الرباني السيد محمد مهدي بهاء الدين الصيادي الشهير بالرواس رضي الله عنه يمدح شيخه وجده وإمامه السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنهما :آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يناير 2013, 2:57 am من طرفgoweto_bilobedيا حبيب القلوب..........................................الطارقhttps://youtu.be/Ub_tOgUrx1sآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالإثنين 28 يناير 2013, 4:50 pm من طرفgoweto_bilobedكن مع الله ترى الله معك رائعهآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالجمعة 03 أغسطس 2012, 1:14 am من طرفgoweto_bilobedالبــعث والنشـــورآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأربعاء 18 يوليو 2012, 3:31 pm من طرفgoweto_bilobedآلام التـــزكيةآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأربعاء 18 يوليو 2012, 3:21 pm من طرفgoweto_bilobedاحاديث في العتره النبويه صحيحه الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأحد 01 يوليو 2012, 6:30 pm من طرفgoweto_bilobedاهداء لاخواني في الله دعاء الحبيب الجفري في الشام آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو 2012, 3:00 pm من طرفgoweto_bilobedخزانة وصل. الشيخ محمود الدره الطارق آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو 2012, 12:51 am من طرفgoweto_bilobedمجلس للشيخ محمود الدرة بحضورالحبيب الجفري الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو 2012, 12:19 am من طرفgoweto_bilobedالايا الله بنظره من العين الرحيمه الدره الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو 2012, 12:16 am من طرفgoweto_bilobedكفى الرفاعي شرفا تقبيل كف المصطفى الشيخ محمود الدره الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 1:26 pm من طرفgoweto_bilobedمرقد وضريح الشيخ احمد الرفاعي الكبير في العراق الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 1:10 pm من طرفgoweto_bilobedمجلس للشيخ محمود الدرة بحضور الحبيب الجفري آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 1:04 pm من طرفgoweto_bilobed الشيخ محمود دره كل حسن يبدو لنا من جمال المصطفى الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 1:01 pm من طرفgoweto_bilobedتمسك بالكرام اخي واهجر لئام الناس للشيخ محمود الدره الطارقhآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 12:52 pm من طرفgoweto_bilobedيا الهي ما معين العاجزين الشيخ محمود الدره/// رائعه الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأحد 24 يونيو 2012, 2:21 am من طرفgoweto_bilobedسبحان من ذكره عز لذاكره الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالسبت 23 يونيو 2012, 3:10 pm من طرفgoweto_bilobedياسيدي يامحمد هاجت اشواقي الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالسبت 23 يونيو 2012, 2:38 pm من طرفgoweto_bilobedاخذت العهد في اول زماني لقيت العهد غال يا اخواني الطارقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالسبت 23 يونيو 2012, 2:16 pm من طرفgoweto_bilobedنسب سيدي الإمام أحمد الكبيرالرفاعي رضي الله عنهآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالخميس 07 يونيو 2012, 12:07 am من طرفgoweto_bilobedمقطع فيديو ضرب سلاحآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 27 مارس 2012, 2:06 pm من طرفgoweto_bilobedجلسة ذكر بحضور سيد عبدالله المربد ابوالعيشآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 27 مارس 2012, 2:01 pm من طرفgoweto_bilobedاللهم صل علي محمد واله الطيبين الطاهرينآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 14 فبراير 2012, 3:14 am من طرفgoweto_bilobedالسادة الكروشات بني العروس الحسينية في الاهواز و العراقآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 14 فبراير 2012, 1:55 am من طرفgoweto_bilobedفى ذكرى مولد خير البريةآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالسبت 04 فبراير 2012, 2:53 pm من طرفgoweto_bilobedقبيلة المجمع في الأحوازآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالخميس 02 فبراير 2012, 11:04 am من طرفgoweto_bilobedعبد الستار الطيار و يوسف عمر / العراق1957 آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأربعاء 01 فبراير 2012, 9:55 pm من طرفgoweto_bilobedمجموعة مدائح الشيخ عبد الوهاب الجنابي 2011آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالخميس 15 ديسمبر 2011, 2:39 am من طرفgoweto_bilobedالله جل جلالهآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالأربعاء 14 ديسمبر 2011, 12:07 am من طرفgoweto_bilobedمن أجمل ماقرأتآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالخميس 01 ديسمبر 2011, 3:51 am من طرف

شاطر | 
 

 آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ترجمان
ترجمان

آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته Stars7

رقم العضوية : 1
ذكر
عدد المساهمات : 669
نقاط : 1102
<b><i>البلد</i></b>سوريا

احترام قوانين المنتدى :
آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته Left_bar_bleue100 / 100100 / 100آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته Right_bar_bleue

mmsآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته 53406415

رسالة sms

اللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك،

اللهم فهب لنا منك ما يرضيك عنا

يا وهاب يا كريم.




آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته

بطاقة الشخصية
حكمتي بالحياة: دع الذين إذا أتوك تنسكوا ........ وإذا خلوا فهم ذئاب خراف

آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته Empty
مُساهمةموضوع: آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته   آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 03 أغسطس 2010, 5:40 pm

[b]
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله الاطهار وصحبه الاخيار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


آداب العلماء والمتعلمين
الحسين بن المنصور بالله

الفصل الأول
آداب العالم في علمه
وفيه اثنا عشر نوعاً

النوع الأول:
أن يقصد العالم بعلمه وجه الله تعالى ولا يقصد به توصلاً إلى غرض دنيوي، كتحصيل مال أو جاه أو شهرة أو سمعة أو تميز عن الأقران ونحو ذلك، ولا يشين علمه وتعليمه بشيء من الطمع في رفق يحصل له من مشتغل عليه بمال أو خدمة أو نحوها، وإن قل وإن كان على صورة الهدية، التي لو لا اشتغاله عليه لما أهداها إليه، وكان منصور لا يستعين بأحد يختلف إليه في حاجة، وقال سفيان بن عيينة: كنت قد أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة من أبي جعفر سلبته نسأل الله المسامحة، وينبغي له أن يصحح نيته عند الشروع في كل ما يفيده.
قال أبو مزاحم الخاقاني: قيل لأبي الأحوص حدثنا، فقال: ليت لي نية، فقالوا له: إنك تؤجر، فقال شعراً:
يمنوني الخير الكثير وليتني نجوت كفافاً لا عليّ ولا ليا
وقد صح عن الشافعي رحمه الله أنه قال: وددت أن الخلق تعلموا مني هذا العلمِ على أن لا ينسب إلي حرف منه. وقال رحمه الله: ما ناظرت أحداً قط على الغلبة، ووددت إذا ناظرت أحداً أن يظهر على يديه، وقال: ما كلمت أحداً قط إلا وددت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وعن أبي يوسف رحمه الله قال: يا قوم أريدوا بعلمكم الله، فإني لم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أعلوهم، إلا لم أقم حتى أفتضح.
الثاني:
دوام مراقبة الله تعالى في السر والعلانية، والمحافظة على خوفه في جميع حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله، فإنه أمين على ما أودع من العلوم، وما منح من الحواس والفهوم. قال الله تعالى: )لا تخوَنوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون(. وقال تعالى: )بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشونِ(.
قال الشافعي: ليس العلم ما حفظ، العلم ما نفع، وعليه بدوام السكينة والوقار والخشوع والورع والتواضع والخضوع.
ومما كتب مالك إلى الرشيد: إذا علمت علماً فلْيُرَ عليك أثره، وسكينته وسمته، ووقاره، وحلمه. لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: العلماء ورثة الأنبياء.
وقال عمر: تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار وعن أبي هريرة مرفوعاً: تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة. وتواضعوا لمن تعلمون منه. رواه الطبراني في الأوسط. وعن السلف رحمهم الله: حق على العالم أن يتواضع لله، في سره وعلانيته ويحترس من نفسه ويقف عما أشكل عليه.
الثالث:
أن يصون العلم كما صانه علماء السلف، ويقوم له بما جعله الله تعالى له من العزة والشرف، فلا يدنسه بالأطماع، ولا يذله بذهابه ومشيه إلى غير أهله من أبناء الدنيا من غير ضرورة أو حاجة أكيدة، ولا إلى من يتعلمه منه منهم، وإن عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه.
قال الزهري: هو أن بالعلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم. وقال مالك بن أنس للمهدي وقد استدعاه لولديه يعلمهما: العلم أولى أن يوقر ويؤتى، وفي رواية: العلم يزار ولا يزور ويؤتى ولا يأتي. وفي رواية: أدركت أهل العلم يؤتون ولا يأتون، ويروى عنه أيضاً أنه قال: دخلت على هارون الرشيد فقال يا أبا عبد الله: ينبغي أن تختلف إلينا حتى يسمع صبياننا منك الموطأ، قال: فقلت أعزك الله أن هذا العلم منكم خرج، فإن أنتم أعززتموه عز، وإن أذللتموه ذلَّ والعلم يؤتى ولا يأتي فقال: صدقت اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا من سمع الناس.
ويروى أن الرشيد سأله هل لك دار? فقال: لا. فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وقال: اشتر بها داراً، فأخذها ولم ينفقها، فلما أراد الرشيد الشخوص إلى العراق قال لمالك: ينبغي لك أن تخرج معنا فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ، كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال له: أما حما، الناس على الموَطأ فليس إلى ذلك سبيل، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم افترقوا بعده في الأمصار، فحدثوا فعند أهل كل مصر علم. وقد قال صلى الله عِليه وعلى آله وسلم: اختلاف أمتي رحمة، وأما الخروج معك فلا سبيل إليه، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، وهذه دنانيركم كما هي أن شئتم فخذوها، وإن شئتم فدعوها، يعني أنك إنما حملتني على مفارقة المدينة بما اصطنعت لدي فلا أوثر الدنيا على الأخرى، وأخرج الخطيب البغدادي في الجامع عن مقاتل بن صالح الحميدي قال: دخلت على حماد بن سلمة فبينما أنا عنده إذ دق رسول محمد بن سليمان فدخل فسلم وناوله كتابه فقال: أقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة.
أما بعد فصبحك اللهّ بما صبح به أولياءه وأهل طاعته وقعت مسألة فأتنا نسألك عنها، فقال لي: اقلب الكتاب واكتب: أما بعد وأنت صبحك اللهّ بما صبح به أولياءه وأهل طاعِته، إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحداً، فإن وقعت مسألة فأتنا فاسألنا عما بدا لك، وإن أتيتني فلا تأتني إلا وحدك، ولا تأتني بخيلك ورجالك فلا أنصحك ولا أنصح نفسي، والسلام.
فبينما أنا عنده جالس إذ دق داق الباب فقال: يا صبية اخرجي فانظري من هذا? قالت: هذا محمد بن سليمان، قال: قولي له يدخل وحده، فدخل فسلم ثم جلس بين يديه، ثم ابتدأ فقال: مالي إذا نظرت إليك امتلأت رعباً، فقال حماد سمعت ثابتاً البناني يقول: سمعت انس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: أن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء. فقال: ما تقول يرحمك الله? وذكر مسألته وجوابها، ثم قال وحاجة إليك قال: ما لم تكن رزية في دين، قال: أربعون ألف درهم تأخذها تستعين بها على ما أنت عليه، قال: أرددها على من ظلمته بها قال: والله ما أعطيتك إلا ما ورثته قال: لا حاجة لي فيها، ازوها عني زوى الله عنك أوزارك، قال فغير هذا، قال: هات ما لم يكن رزية في دين، قال: تأخذها فتقسمها، قال: فلعلي أن عدلت في قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق منها أنه لم يعدل في قسمتها فيأثم، إزوها عني، زوى الله عنك أوزارك.
وسيأتي في الفصل الخامس ما اتفق لبعض أولاد المهدي العباسي مع شريك.
وأخبار السلف في هذا الباب كثيرة شهيرة. فإن دعت حاجة أو ضرورة إلى شيء من ذلك، واقتضته مصلحة دينية راجحة على مفسدة بذله وحسنت فيه نية صالحة فلا بأس به، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض السلف من المشي إلى الملوك وولاة الأمر، كالشافعي وغيره، لا على أنهم قصدوا بذلك فضول الأغراض الدنيوية، وكذلك إذا كان المأتي إليه من العلم والزهد في المنزلة العلية والمحل الرفيع، فلا بأس بالتردد إليه لإفادته، فقد كان سفيان الثوري يمشي إلى إبراهيم بن أدهم ويفيده، وكان أبو عبيد يمشي إلى علي بن المديني يسمعه غريب الحديث.
الرابع:
أن يتخلق بما حث الشرع عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها بقدر الإمكان، فإن ما يحتاج إليه منها على الوجه المعتدل من القناعة لا يعد من الدنيا، وأقل درجات العالم أن يستقذر المعلق بالدنيا ولا يبالي بفواتها، لأنه أعلم الناس بخسّتها، وفتنتها، وسرعة زوالها، وكثرة عنائها، وقلة غنائها.
وعن الشافعي رحمه الله: لو أوصى لأعقل الناس صرف إلى الزهاد، فمن أحق من العلماء بزيادة العقل وكماله. وقال يحيى بن معاذ: لو كانت الدنيا تبراً يفنى والآخرة خزفاً يبقى، لكان ينبغي للعاقل إيثار الخزف الباقي على التبر الفاني، فكيف والدنيا خزف فانٍ والآخرة تبر باق. وعليه بالسخاء والجود على حسب الوجود.
الخامس:
أن يتنزه عن دنيء المكاسب ورذيلها طبعاً، وعن مكروهها عادة وشرعاً، كالحجامة والدباغة والصرف والصياغة، ويتجنب مواضع التهم وأن بعدت، ولا يقيل شيئاً يتضمن نقص مروة، وما يستنكر ظاهراً وإن كان جائزاً باطناً فإنه يعرض نفسه للتهمة، وعرضه للوقيعة، ويوقع الناس في الظنون المكروهة، وثم الوقيعة. فإن اتفق وقوع شيء من ذلك منه لحاجة أو نحوها، أخبر من شاهده بحكمه، وبعذره ومقصوده، كيلا يأثم من رآه بسببه، أو ينفر عِنه فلا ينتفع بعلمه ولا يستفيد بذلك الجاهل به. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للرجلين لما رأياه يتحدث مع صفية: فوليا على رسلكما إنها صفية، ثم قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً، وفي رواية: فتهلكا.
السادس:
أن يحافظ على القيام بشعائر الإسلام، وظواهر الأحكام، كإقامة الصلوات ومساجد الجماعات، وإنشاء السلام، للخواص والعوام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى بسبب ذلك صادعاً بالحق عند السلاطين، باذلاً نفسه لله لا يخاف فيه لومة لائم، ذاكراً قوله تعالى: )واصبر على ما أصابك أن ذلك من عزم الأمور(.
وما كان رسول الله صلى اللهّ عليه وعلى آله وسلم، وغيره من الأنبياء عليه من الصبر على الأذى، وما كانوا يتحملونه في الله تعالى حتى كان لهم العقبى. وكذلك القيام بإظهار السنن، وإخمال البدع، والقيام لله في أمور الدين، وما فيه من مصالح المسلمين على الطريق المشروع، والمسلك المطبوع، ولا يرضى من أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز منها، بل يأخذ نفسه بأحسنها وأكملها، فإن العلماء هم القدوة وإليهم المرجع في الأحكام، وهم حجة الله تعالى على العوام، وقد يراقبهم للأخذ عنهم من لا ينظرون، ويقتدي بهديهم من لا يعلمون، وإذا لم ينتفع العالم بعلمه فغيره أبعد من الانتفاع به، كما سبق من قول الشافعي رحمه الله. ليس العلم ما حفظ، العلم ما نفع. ولهذا عظمت زلة العالم لما يترتب عليها من المفاسد لاقتداء الناس به.
السابع:
أن يحافظ على المندوبات الشرعية؛ القولية والفعلية، ولبالغ في ما يتضمن إجلال صاحب الشريعة النبوية، وتعظيمه واتباعه صلى اللهّ عليه وعلى آله وسلم، فيلازم تلاوة القرآن، وذكر الله تعالى بالقلب واللسان، وكذلك ما ورد من الدعوات والأذكار في إناء الليل والنهار، ومن نوافل العبادات من الصلاة والصيام، وحج البيت الحرام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن محبته وإجلاله وتعظيمه واجب، والأدب عند سماع اسمه وذكر سنته مطلوب وسنة. وكان في الصادق بن محمد الباقر عليهما السلام، إذا ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند: اصفرّ لوَنه، وكان مالك رحمه الله إذا ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتغير لونه وينحني. وكان ابن القاسم إذا ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجف لسانه في فيه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وينبغي له إذا تلا القرآن أن يتفكّر في معانيه، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، والوقوف عند حدوده. وليحذر من نسيانه بعد حفظه فقد ورد في الأخبار النبوية ما يزجر عِن ذلك.
والأولى أن يكون له منه في كل يوم ورد راتب لا يخل به، فإن غاب عليه فيوم ويوم، فإن عجز ففي ليلتي الاثنين والجمعة. وقراءة القرآن في كل سبعة أيام ورد حسن. ورد في الحديث عمل به أحمد ابن حنبل، ويقال من قرأ من القرآن في كل سبعة أيام لم ينسه قط. وينبغي له أن يستعمل الرخص في مواضعها عند الحاجة إليها، ووجود سببها ليقتدي به نجيها، فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه.
الثامن:
معاملة الناس بمكارم الأخلاق، من طلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، وكظم الغيظ، وكف الأذى عن الناس، والاحتمال منهم والإيثار وترك الاستيثار، والأنصاف، وترك الأستنصاف، وشكر الفضل، والسعي في قضاء الحاجات، وبذل الجاه في الشفاعات والتلطف بالفقراء والتحبب إلى الجيران والأقرباء والرفق بالطلبة وإعانتهم وبرهم، كما سيأتي أن شاء الله تعالى، وإذا رأى من لا يقيم صلاته أو طهارته أو شيئاً من الواجبات عليه، أرشده بتلطف ورفق، كما فعل صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الأعرابي الذي بال في المسجد، ومع معاوية بن الحكم في الصلاة.
التاسع:
أن يطهر باطنه وظاهره من الأخلاق الردية، ويعمره بالأخلاق المرضية، فمن الأخلاق الردية الغل، والحسد، والبغي، والغضب لغير الله تعالى، والغش، والكبر، والرياء والعجب، والسمعة، والبخل، والجبن والبطر والطمع، والفخر، والخيلاء، والتنافس في الدنيا، والمباهاة فيها، والمداهنَّة والتزين للناس، وحب المدح بما لم يفعل، والعمى عن عيوب النفس، والاشتغال عنها بعيوب الخلق، والحمية، والعصبية لغير الله، والرغبة والرهبة لغيره، والغيبة، والنميمة، والبهتان، والكذب، والفحش في القول، واحتقار الناس ولو كانوا دونه، فالحذر الحذر، من هذه الصفات الخبيثة، والأخلاق الرذيلة، فإنها باب كل شر، بل ير الشر كله. وقد بلي بعض فقهاء الزمان بكثير من هذه الصفات، إلا من عصم الله تعالى ولا سيما الحسد، والعجب والرياء واحتقار الناس. وأدوية هذه الأربعة في كتب الزهد، ومن أنفعها التصفية للإمام يحيى بن حمزة عليه السلام، وكنز الرشاد للإمام عز الدين، ومن أخصرها تكملة الأحكام. ومن أدوية الحسد، الفكر في أنه اعتراض على الله تعالى في حكمته المقتضية تخصيص المحسود بالنعمة، مع أنه محض ضرر على الحاسد يجلب له الغم، وتعب القلب، وتعذيبه بما لا ضرر فيه، على المحسود. ومن أدوية العجب، تذكر أن علمه وفهمه وجودة ذهنه وفصاحته وغير ذلك من النعم، فضل من الله عليه، وأمانة عنده ليرعاها حق رعايتها، وأن العجب بها كفران لنعمتها فيعرضها للزوال، لأن معطيه إياها قادر على سلبها منه في طرفة عين: )و ما ذلك على الله بعِزيز(، )فأمنوا مكر الله(. ومن أدوية الرياء الفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه وضرره، فلم يحبط عمله ويضر دينه ويشغل نفسه بمراعاة من لا يملك له في الحقيقة نفعاً ولا ضراً مع أن الله تعالى يطلعهم على نيته، وقبح سريرته. كما صح في الحديث، من سمع سمع الله به، ومن رأيا رأيا الله به. ومن أدوية احتقار الناس، تدبر قوله تعالى: )لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم( الآية، )إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، أن أكرمكم عند الله أتقاكم، فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى(. وربما كان المحتقر أطهر عند الله قلباً وأزكى عملاً، وأخلص نية كما قيل: أن اللهّ تعالى أخفى ثلاثة في ثلاثة، وليه في عباده، ورضاه في طاعته، وغضبه في معصيته، مع أن احتقار عباد الله مجرد خسران يورث الذل لفاعله.
وفي خبر للحارث بن معاوية: أنه سأل عمر عن القصص، وأن عمر قال له أخشى عليك أن تقص فترتفع في نفسك، ثم تقص فترتفع في نفسك، حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا فيضك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك. رواه الإمام أحمد، والحارث ابن معاوية وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح.
ومن الأخلاق المرضية دوام التوبة، والإخلاص، واليقين، والتقوى، والصبر، والرضى، والقناعة، والزهد، والتوكل، والتفويض، وسلامة الباطن، وحسن الظن، والتجاوز، وحسن الخلق، ورؤية الإحسان، وشكر النعمة، والشفقة على خلق الله والحياء من الله ومن الناس. ومحبة الله تعالى هي الخصلة الجامعة لمحاسن الصفات. وإنما يتحقق بمتابعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: )قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم(.
العاشر:
دوام الحرص على الازدياد بملازمة الجد والاجتهاد؛ والمواظبة على وظائف الأوراد عبادة وقراءة وافرة ومطالعة وفكراً وتعليقاً وحفظاً، وتصنيفاً وبحثاً ولا يضيع شيئاً من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم والعمل إلا بقدر الضرورة من أكل، أو شرب، أو نوم، أو استراحة لملل، أو أداء حق زوجة، أو زائر، أو تحصيل قوت وغيره، مما يحتاج إليه أولاده أو غيره، مما يتعذر معه الاشتغال، فإن بقية عمر المؤمن لا قيمة لها. ومن استوى يوماه فهو مغبون.
وقال المزني سمعت الشافعي يقول: سُئل بعض السلف، ما بلغ من اشتغالك بالعلم? قال: هو سلوتي إذا اهتممت، ولذتي إذا سلوت. قال: وأنشدني الشافعي لنفسه:
وما أنا بالغيران مـن دون أهـلـه إذا أنا لم أضح غيوراً على علمي
طبيب فؤادي مذ ثـلاثـين حـجة و صيقل ذهني والمفرج عن همي

وكان بعضهم لا يترك الاشتغال لعروض مرض خفيف، وألم لطيف، بل كان يستشفي بالعلم ويشتغل بقدر الإمكان. وذلك لأن درجة العلم درجة وراثة الأنبياء، ولا تنال المعالي إلا بشق الأنفس. وفي صحيح مسلم عن يحيى بن أبي كثير، قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم، وفي الحديث: جفت الجنة بالمكاره وقد قيل:
تريدين إدراك المعالي رخـيصة و لا بد دون الشهد من إبر النحل
وكما قيل:
لا تحسب المجد تمراً أنت آكـلة لا تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وقال الشافعي رحمه الله: حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من العلم، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله في إدراك علمه نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى الله تعالى في العون عليه.
وقال الربيع: لم أر الشافعي آكلاً بنهار ولا نائماً بليل لاشتغاله بالتصنيف، ومع ذلك فلا يحمل نفسه من ذلك فوق طاقتها كيلا تسأم ويمل، فربما نفرت نفرة لا يمكنه تداركها، بل يكون أمره في ذلك قصداً، وكل إنسان أبصر بنفسه.
الحادي عشر:
أن لا يستنكف أن يستفيد ما لا يعلمه ممن دونه منصباً، أو نسباً، أو سناً، بل يكون حريصاً على الفائدة حيث كانت. الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها. قال سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالماً ما تعلم فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون. وأنشد بعض العرب:
و ليس العمى طول السـؤال وإنـمـا تمام العمى طول السكوت على الجهل
وكان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم.
قال الحميدي وهو تلميذ الشافعي: صحبت الشافعي من مكة إلى مصر، فكنت أستفيد منه المسائل، وكان يستفيد مني الحديث. وقال أحمد بن حنبل، قال لنا الشافعي: أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى نأخذ به. وصحت رواية جماعة من الصحابة عن التابعين. وأبلغ من ذلك كله، قراءة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أبي وقال: أمرني الله أن أقرا عليك لم يكن الذين كفروا. قالوا: من فوائده أن لا يمتنع الفاضل من الأخذ عن المفضول.

الثاني عشر:
الاشتغال بالتصنَّيف والجمع والتأليف، لكن مع تمام الفضيلة وكمال الأهلية فإنه يطلع على حقائق الفنون ودقائق العلوم للاحتياج إلى كثرة التفتيش والمطالعة والتنقيب والمراجعة، وهو كما قال الخطيب البغدادي: يثبت الحفظ، ويذكي القلب، ويشحذ الطبع، ويجيد البيان، وبكسب جميل الذكر وجزيل الأجر، ويخلده إلى آخر الدهر، كما قيل:
يموَت قوَم فيحيى العلم ذكرهم و الجهل يلحق أمواتاً بأموات
وقال بعضهم: علم الإنسان ولده المخلد.
قال أبو الفتح علي بن محمد البستي:
يقولون ذكر المرء يبقى بنسله و ليس له ذكر إذا لم يكن نسل
فقلت لهم نسلي بدائع حكمتـي فمن سره نسل فإنا بذا نسلـو
الأولى أن يعتني بما يعم نفعه وتكثر الحاجة إليه، وليكن اعتناؤه بما لم يسبق إلى تصنيفه، بأن لا يكن ثم ما يغني عن تصنيفه في جميع أساليبه، وليتحر إيضاح العبارة في تأليفه معرضاً عن التطويل الممل، والإيجاز المخل، مع إعطاء كل مصنف ما يليق به ولا يخرج تصنيفه من يده قيل تهذيبه وتكرير النظر فيه وترتيبه، ومن الناس من ينكر التصنيف والتأليف في هذا الزمان على من ظهرت أهليته وعرفت معرفته، ولا وجه لهذا الإنكار إلا التنافس من أهل الإعصار ولله در القائل:
قل أن لا يرى المعاصر شيئاً و برى للأوائل التقـديمـا
إن ذاك القديم كـان جـديداً و سيبقى هذا الجديد قديمـا
والمتصرف في مداده وورقه بكتابة ما شاء من أشعار، وحكايات مباحة أو غير ذلك، لا ينكر عليه، فلم إذا تصرف فيه بتسويد ما ينتفع به من علوم الشريعة ينكر ويستهجن، أما من لم يتأهل لذلك فالإنكار عليه متجه لما تضمنه من الجهل وتغرير من يقف على ذلك التصنيف به، ولكونه يضيع زمانه فيما لم يتقنه، ويدع الإتقان الذي هو أحرى به.
الفصل الثاني
في آداب العَالِم في دَرسِه
وفيه اثنا عشر نوعاً:

الأول:
إذا عزم على مجلس التدريس تطهر من الحدث، والجنب، وينظف، وتطيب، ولبس من أحسن ثيابه اللائقة به بين أهل زمانه، قاصداً بذلك تعظيم العلم وتبجيل الشريعة. كان مالك رحمه الله إذا جاءه الناس لطلب الحديث، أغتسل، وتطيب، ولبس ثياباً جدداً، ووضع رداءه على رأسه، ثم يجلس على منصبته، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ؛ وقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وروى الخطيب في الجامع من شعر على رضي الله عنه:
أجد الثياب إذا اكتسيت فإنهـا زين الرجال بها تعز وتكرم
دع التواضع في الثياب تحرياً فالله يعلم ما تجن وتـكـتـم
فرثاث ثوبك لا يزيدك زلـفة عند الإله وأنت عبد مجـرم
و بهاء ثوبك لا يضرك بعد أن تخشى الإله وتتقي ما يحـرم
ثم يصلي ركعتي الاستخارة إذا لم يكن وقت كراهة، ويستحب للشخص أن يجعل في كل يوم وقتاً معيناً يصلى فيه صلاة الاستخارة، ويقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم أن كنت تعلم أن جميع ما أتحرك فيه وانطق به في حقي وفي حق غيري، وجميع ما يتحرك فيه غيري وينطق به في حقي وحق أهلي وولدي وما ملكت يميني، من ساعتي، هذه إلى مثلها من الغد، خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فأقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن جميع ما أتحرك فيه وأنطق به في حقي وفي حق غيري، وجميع ما يتحرك فيه غيري في حقي وفي حق أهلي وولدي، وما ملكت يميني من ساعتي هذه إلى مثلها من الغد، شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري فاصرفه عني وأصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به. وهذه الكيفية وإن لم تكن في الأحاديث، فهي موافقة لإطلاق ما جاء في الحث على الاستخارة كحديث: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة"، الحديث.
وقد كان أهل الجاهلية يستعملون في أمورهم الأستقسام بالأزلام ونحوها، فعوض صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك ما يتضمن التو حيد، والافتقار، والعبودية، والتوكل، وسؤال الرشد والفلاح، ورد الأمر إلى من بيده أزمة الخيرات وإنجاح الطلبات، ثم ينوي نشر العلم وتعليمه، وبث الفوائد الشرعية، وتبليغ أحكام الله تعالى التي ائتمن عليها، وأمر ببيانها والازدياد من العلم، وإظهار الصواب، والرجوع إلى الحق والاجتماع على ذكر الله تعالى والسلام على إخوانه من المسلمين والدعاء للسلف الصالحين.
ويحكى عن بعضهم أنه كان يكتب حتى تكل يده، فيضع القلم ثم ينشد:
لئن كان هذا الدمع يجري صبابةً على غير ليلى فهو دمع مضيع
وهذا من باب قوله تعالى: )والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يصارعون في الخيرات وهم لها سابقون(. قال الحسن: كانوا يعملون أعمال البر ويحسبون أن لا يتقبل منهم.
الثاني:
إذا خرج من بيته دعا بالدعاء الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم وهو: )اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزِل أو أزَلّ، أو أظلِمَ أو أظلَم، أو أجهَلَ أو يُجهل علي، عزّ جارك وجلّ ثناؤك، ولا إله غيرك(. ثم يقول: )بسم الله وبالله، حسبي الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم ثبت جناني وادر الحق على لساني(، ويديم ذكر اللهّ تعالى إلى أن يصل إلى مجلس التدريس. فإذا وصل إليه سلم على من حضر وصلى ركعتين، أن لم يكن وقت كراهة، فإن كان مسجداً تأكدت مطلقاً، ثم يدعو الله تعالى بالتوفيق والإعانة والعصمة، ويجلس مستقبلاً القبلة لحديث أكرم المجالس ما استقبل القبلة. رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط، عن ابن عمر مرفوعاً والطبراني في الكبير عن ابن عباس نحوه مرفوعاً، ويكون بسكينة، ووقار، وتواضع، وخشوع، متربعاً، أو غير ذلك مما لا يكره من الجلسات، ولا يجلس مقعياً، ولا مستفزاً، ولا رافعاً إحدى رجليه على الأخرى، ولا ماداً رجليه أو إحداهما من غير عذر، ولا متكئاً على يديه إلى جنبه أو وراء ظهره، وليصن بدنه عن الزحف، والتنقل عن مكانه، ويديه عن العبث والتشبيك بهما، وعينيه عن تفريق النظر من غير حاجة، ويتقي المزاح وكثرة الضحك، فإنه يقلل الهيبة، ويسقط الحشمة، كما قيل من مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به. ولا يدرس في وقت جوعه، أو عطشه، أو همه، أو غضبه، أو نعاسه، أو قلقه، ولا في حال برده المؤلم، أو حره المزعج، فربما أجاب أو أفتى بغير الصواب، ولأنه لا يتمكن مع ذلك من استيفاء النظر.
الثالث:
أن يجلس بارزاً لجميع الحاضرين موقراً فاضلهم بالعلم والسن، والصلاح والشرف. وترفعهم على حسب تقدمهم، في الإمامة، ويتلطف بالباقين، ويكرمهم بحسن السلام، وطلاقة الوجه ومزيد الاحترام، ولا يكره القيام لأكابر أهل الإسلام على سبيل الإكرام، وقد ورد إكرام العلماء وطلبة العلم في نصوص كثيرة، ويلتفت إلى الحاضرين التفاتاً قسطاً بحسب الحاجة، ويخص من يكلمه أو يسأله، أو يبحث معه على الوجه عند ذلك بمزيد التفات إليه وإقبال عليه، وإن كان صغيراً وضعيفاً، فإن ترك ذلك من أفعال المتجبرين المتكبرين.
الرابع:
أن يقدم على الشروع في البحث والتدريس قراءة شيء من كتأب الله تعالى تبركاً وتيمناً، وكما هي العادة، فإن كان في مدرسة شرط فيها ذلك أتبع الشرط ويدعو عقيب القراءة لنفسه، وللحاضرين، وسائر المسلمين، ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسمى الله تعالى ويحمده، ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم، ويترضى عن أئمة المسلمين ومشايخه، ويدعو لنفسه وللحاضرين ووالديهم أجمعين. وهو واقف مكانه إن كان في مدرسة أو نحوها جزاء لحسن فعله وتحصيلاً لقصده.
الخامس:
إذا تعددت الدروس قدم الأشرف فالأشرف، والأهم فالأهم: فيقدم تفسير القرآن، ثم الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم المذهب، ثم الخلاف، أو النحو أو الجدل، ويصل في درسه ما ينبغي وصله، ويقف في مواضع الوقف، ومنقطع الكلام. ولا يذكر شبهة في الدين في درس ويؤخر الجواب عنها إلى درس آخر، بل يذكرهما جميعاً أو يدعهما جميعاً. وينبغي أن لا يطيل الدرس تطويلاً يمل ولا يقصر تقصيراً يخل، ويراعي في ذلك مصلحة الحاضرين، ولا يبحث في مقام أو يتكلم في فائدة إلا في موضع ذلك، فلا يقدمه عليه ولا يؤخره إلا لمصلحة تقتضي ذلك وترجحه.
السادس:
أن لا يرفع صوته زائداً على قدر الحاجة، ولا يخفضه خفضاً لا يحصل معه كمال الفائدة. روى الخطيب في الجامع عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن الله يحب الصوت الخفيض، ويبغض الصوت الرفيع، والأولى أن لا يجاوز صوته مجلسه، ولا يقصر عن سماع الحاضرين، فإن حضر فيهم ثقيل السمع فلا بأس بعلو صوته بقدر ما يسمع، ولا يسرد الكلام سرداً بل يرتله ويرتبه ويتمهل فيه ليفكر فيه هو وسامعه. وقد روي أن كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان فصلاً يفهمه من سمعه، وإن كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً ليفهم عنه، وإذا فرغ من مسالة، أو فصل، سكت قليلاً حتى يتكلم من في نفسه كلام عليه، لأنا سنذكر أن شاء الله في أدب المتعلم أنه لا يقطع على العالم كلامه، فإذا لم يسكت هذه ربما فاتت الفائدة.
السابع:
أن يصون مجلسه عن اللغط، فإن اللغض تحته، وعن رفع الأصوات واختلاف وجهات البحث. قال الربيع: كان الشافعي إذا ناظره إنسان في مسألة فغدا إلى غيرها يقول: نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد، ويتلطف في دفع ذلك في مباديه قبل انتشاره وثوران النفوس. ويذكر الحاضرين بما جاء في كراهة المماراة، لا سيما بعد ظهور الحق، وأن مقصود الاجتماع ظهور الحق وصفاء القلوب، وطلب الفائدة. وأنه لا يليق بأهل العلم تعاطي المنافسة والشحناء لأنها سبب العداوة والبغضاء، بل يجب أن يكون الاجتماع ومقصودة خالصاً لله تعالى ليثمر الفائدة في الدنيا والسعادة في الآخرة، ويتذكر قوله تعالى: )ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون(، فإنه يفهم أن إرادة إبطال الحق أو تحقيق الباطل صفة إجرام فليحذر منه.
الثامن:
أن يزجر من تعدى في بحثه، أو ظهر منه لدد وسوء أدب، أو ترك إنصاف بعد ظهور الحق، أو أكثر الصياح بغير فائدة، أو أساء أدبه على غيره من الحاضرين أو الغائبين، أو ترفع في المجلس على من هو أولى منه، أو نام أو تحدث مع غيره أو ضحك، أو استهزأ بأحد من الحاضرين، أو فعل ما يخل بأدب الطلب في الحلقة، وسيأتي تفصيل هذا كله- أن شاء الله تعالى- بشرط أن لا يترتب على ذلك مفسدة تربو عليه. وينبغي أن يكون له نقيب فطن كيس درب يرتب الحاضرين، ومن يدخل عليهم على قدر منازلهم، ويوقظ النائم، ويشير إلى من ترك ما ينبغي أو فعل ما ينبغي تركه ويأمر بسماع الدروس والإنصات لها.
التاسع:
أن يلازم الِإنصاف في بحثه وخطابه، ويسمع السؤال من مورده على وجهه وإن كان صغيراً، ولا يترفع عن سماعه فيحرم الفائدة، وإذا عجز السائل عن تقرير ما أورده أو تحرير العبارة فيه لحياء أو قصور، ووقع على المعنى عبر عن مراده، وبين وجه إيراده ورد على من رد عليه، ثم يجيب بما عنده أو يطلب ذلك من غيره، ويقصد بكلامه النصح والإرشاد وطلب النجاة، وما يعود نفعه على الكل، ويكلم كل أحد على قدر عقله وفهمه، فيجيب بما يحتمله حال السائل، ويتروى فيما يجيب به، وإذا سئل عما لم يعلمه قال: لا أعلم أو لا أدري فمن العلم أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلم، أو الله اعلمِ، فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل الله اعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. وعن بعضهم: لا أدري نصف العلم.
وعن ابن عباس: إذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتله، وقيل: ينبغي للعالم أن يورث أصحابه لا أدري لكثرة ما يقولها. واعلم أن قول المسؤول ما أدري لا يضيع من قدره كما يظنه بعض الجهلة، لأن المتمكن لا يضره عدم معرفة بعض المسائل، بل يرفعه قوله لا أدري، لأنه دليل على عظم محله، وقوة دينه، وتقوى ربه، وطهارة قلبه، وكمال معرفته، وحسن تثبته.
وقد روينا معنى ذلك عن جماعة من السلف، وإنما يأنف من قول لا أدري من ضعفت ديانته، وقلت معرفته، لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين، ولا يخاف من سقوطه من نظر رب العالمين، وهذه جهالة ورقة دين، وربما يشتهر خطؤه بين الناس، فيقع فيما فر منه ويتصف عندهم بما احترز عنه. وقد أدب الله تعالى العلماء بقضية موسى مع الخضر عليهما السلام، حين لم يرد موسى العلم إلى الله عز وجل، لما سئل هل أحد في الأرض أعلم منك ?
العاشر:
أن يتودد لغريب حضر عنده ويبسط له لينشرح صدره، فإن للقادم دهشة، ولا يكثر الالتفات والنظر إليه استغراباً له، فإن ذلك يخجله، وإذا أقيل بعض الفضلاء وقد شرع في مسألة امسك عنها حتى يجلس، وإن جاء وهو يبحث في مسألة أعادها له أو مقصودها، وإذا أقبل فقيه وقد بقي لفراغه وقيام الجماعة بقدر ما يصل الفقيه إلى المجلس، فليؤخر تلك البقية ويشتغل عنها ببحث أو غيره إلى أن يجلس الفقيه، ثم يعيدها أو يتم تلك البقية كيلا يخجل المقبل بقيامهم عند جلوسه.
الحادي عشر:
جرت العادة أن يقول المدرس عند ختم كل درس: والله أعلم، كذلك يكتب المفتي بعد كتابة الجواب، لكن الأولى أن يقال قبل ذلك كلام يشعر بختم الدرس كقوله: وهذا آخره أو ما بعده يأتي أن شاء الله تعالى ونحو ذلك، ليكون قوله والله أعلم خالصاً لذكر الله تعالى ولقصد معناه. ولهذا ينبغي أن يستفتح كل درس ببسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، كما يستفتح جواب الفتيا بذلك ليكون ذاكراً لله تعاطا في بدأته وخاتمته.
والأولى للمدرس أن يمكث قليلاً بعد قيام الجماعة فإن فيه فوائد وآداباً له ولهم، منها عدم مزاحمتهم، ومنها أن كان في نفس أحدهم بقايا سؤال سأله، ومنها عدم ركوبه بينهم أن كان يركب وغير ذلك. ويستحب إذا قام أن يدعو بما ورد به الحديث، سبحانك اللهّ، اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
الثاني عشر:
أن لا ينتصب للدرس إذا لم يكن أهلاً له، ولا يذكر الدرس من علم لا يعرفه، فإن ذلك لعباً في الدين وازدراء بين الناس. قال النبي صلى اللهّ عليه وعلى آله وسلم: المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوب زور، وعن الشبلي: من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه. وعن أبي حنيفة رحمه الله: من طلب الرياسة في غير حينه، لم يزل في ذل ما بقي، واللبيب من صان نفسه عن تعرضها لما يعد فيه ناقصاً وبتعاطيه ظالماً وبإصراره فاسقاً، فإنه متى لم يكن أهلاً استهزئ بحاله وانتقص به، ولا يرضى ذلك لنفسه أريب ولا يتعاطاه مع الغنا عنه لبيب. وأقل مفاسد ذلك أن الحاضرين يفقدون الإنصاف لعدم من يرجعون إليه عند الاختلاف، لأن رب الصدر لا يعرف المصيب فينصره، أو المخطئ فيزجره. وقيل لأبي حنيفة رضي الله عنه: في المسجد حلقة ينظرون في الفقه؛ فقال الَهُمْ رأس? قالوا: لا، قال: لا يفقه هؤلاء أبداً. ولبعضهم في تدريس من لا يصلح:
تصدر للتدريس كل مـهـوس جهول ليسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثـلـوا ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس
جميع المواضيع و الردود تعبر عن الرأي الشخصي للعضو وادارة منتدى استراحة الغرباء لاتتحمل اية مسئولية اتجاه الغير

تنبيه
الموضوع الأصلي : آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته -||- المصدر : استراحة الغرباء -||- الكاتب : ترجمان

Untitled 2

اخر مواضيع منتدى استراحة الغرباء

↑ Grab this Headline Animator

توقيع ترجمان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ترجمان
ترجمان

آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته Stars7

رقم العضوية : 1
ذكر
عدد المساهمات : 669
نقاط : 1102
<b><i>البلد</i></b>سوريا

احترام قوانين المنتدى :
آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته Left_bar_bleue100 / 100100 / 100آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته Right_bar_bleue

mmsآداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته 53406415

رسالة sms

اللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك،

اللهم فهب لنا منك ما يرضيك عنا

يا وهاب يا كريم.




آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته

بطاقة الشخصية
حكمتي بالحياة: دع الذين إذا أتوك تنسكوا ........ وإذا خلوا فهم ذئاب خراف

آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته Empty
مُساهمةموضوع: رد: آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته   آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته I_icon_minitimeالثلاثاء 03 أغسطس 2010, 5:58 pm

الفصل الثالث
في آداب العَالِم مع طَلَبتِه
وهو أربعة عشر نوعاً:


الأول:

أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ونشر العلم، وإحياء الشرع، ودوام ظهور الحق، وخمول الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة علمائها، واغتنام ثوابهم، وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه من بعدهم وبركه دعائهم له، وترحمهم عليه، ودخوله في سلسلة العلم، بين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبينهم، وعداده في جملة مبلغي وحي الله وأحكامه، فإن تعليمه العلم من أهم أمور الدين، وأعلى درجات المؤمنين على ما سبق إيضاحه. أولاً: نعوذ بالله من قواطعه ومكدراته وموجبات حرمانه وفواته.

الثاني:

أن لا يمتنع من تعليم الطالب لعدم خلوص نيته، فإنه يرجى له حسن النية، وربما عسر في كثير من المبتدين، تصحيح النية لضعف نفوسهم، وقلة أنسهم بموجبات تصحيح النية، والامتناع من تعليمهم، يؤدي إلى تفويت كثير من العلم، مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحها إذا انس بالعلم. وقد قالوا: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، معناه كانت عاقبته أن صار لله وينبغي للشيخ أن يحرض المبتدئ على حسن النية بتدريج، وبعلمه بعد أنسه به أنه ببركة حسن النية ينال الرتبة العالية من العلم، والعمل، أو اللطف، وأنواع الحكم، وتنوير القلب، وانشراح الصدر، وتوفيق العزم، وإصابة الحق، وحسن الحال، والتسديد في المقال، وعلو الدرجات.

الثالث:

أن يرغبه في العلم وطلبه في أكثر الأوقات بذكر ما أعد الله تعالى للعلماء من منازل الكرامات، وأنهم ورثة الأنبياء، وعلى منابر من نور، ونحو ذلك مما ورد في فضل العلم والعلماء من الآيات والأخبار، والآثار، والأشعار. ويرغبه مع ذلك بتدريج على ما يعين على تحصيله من الاقتصار على الميسور، وقدر الكفاية من الدنيا، والقناعة بذلك عن شغل القلب بالتعلق بها، وغلبة الفكر وتفريق الهم بسببها، فإن انصراف القلب عن تعلق الأطماع بالدنيا، والإكثار منها والتأسف على فائتها، أجمع لهمه، وأروح ليسره، وأشرف لنفسه، وأعلى لمكانته وأقل لحساده وأجدر بحفظ العلم وازدياده. ولذلك قل من نال من العلم نصيباً وافراً إلا من كان في مبادئ تحصيله على ما ذكرت من الفقر والقناعة والإعراض عن طلب الدنيا وعرضها الفاني. وسيأتي في أدب المتعلم أكثر من هذا أن شاء الله تعالى.

الرابع:

أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه، كما جاء في الحديث، ويكره له ما يكره لنفسه. وينبغي أن يعتني بمصالح الطالب ويعامله بما يعامل به اعز أولاده من الحنو والشفقة عليه، والإحسان إليه، والصبر على جفاء ربما وقع منه ونقص لا يكاد الإنسان يخلو عنه، وسوء أدب في بعض الأحيان. ويبسط عذره بحسب الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما يصدر منه، بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف، قاصداً بذلك حسن تربيته، وتحسين خلقه، وإصلاح شأنه فإن عرف ذلك لذكائه بالإشارة، فلا حاجة إلى صريح العبارة، وإن لم يفهم ذلك إلا بصريحها أتي به وراعى التدريج في التلطف، ويؤديه بالآداب السنية ويحرضه على الأخلاق المرضية، ويوصيه بالأمور العرفية الموافقة للأوضاع الشرعية.

الخامس:

أن يسمح له بسهولة الإلقاء في تعليمه، وحسن التلطف في تفهيمه، لا سيما إذا كان أهلاً لذلك، بحسن أدبه وجودة طلبه ويحرضه على ضبط الفوائد وحفظ النوادر والفرائد، ولا يدخر عنه من أنواع العلوم، وما يسأله عنه وهو أهل له، لأن ذلك ربما يوحش الصدر، وينفر القلب، ويؤرث الو حشة، وكذلك لا يلقي إليه ما لم يتأهل له، لأن ذلك يبدد ذهنه ويعوق فهمه، فإن سأله الطالب شيئاً من ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولا ينفعه، وإن منعه إياه شفقة عليه ولطفاً به، لا يخل عليه ثم يرغبه عند ذلك في الاجتهاد والتحصيل، ليتأهل لذلك وغيره.

السادس:

أن يحرض على تعليمه وتفهيمه ببذل جهده وتقريب المعنى له من غير إكثار لا يحتمله ذهنه، أو بسط لا يضبطه حفظه، ويوضح لمتوقف الذهن العبارة، ويحتسب إعادة الشرح له، وتكراره، ويبدأ بتصوير المسائل وتوضيحها بالأمثلة وذكر الدلائل، ويقتصر على تصوير المسألة وتمثيلها لمن لم يتأهل لفهم مأخذها ودليلها، وبذكر الأدلة والمآخذ لمحتملها، ويبين له معاني أسرار حكمها وعللها، وما يتعلق بتلك المسألة، من فرع وأصل، ومن وهم فيها في حكم، أو تخريج، أو نقل بعبارة حسنة لم لأداء بعيدة عن تنقيص أحد من العلماء. ولا يمتنع من ذكر لفظة يستحيا من ذكرها عادة إذا احتيج إليها، ولم يتم التوضيح إلا بذكرها، فإن كانت الكناية تفيد معناها، وتحصيل مقتضاها تحصيلاً بيناً لم يصرح بذكره، بل يكتفي بالكتابة عِنها، وكذلك إذا كان في المجلس من لا يليق ذكرها بحضوره لحيائه أو لخفائه، فيكنى عن تلك اللفظة، ولهذه المعاني واختلاف الحال ورد في حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التصريح تارة والكناية أخرى.

السابع:

إذا فرغ الشيخ من شرح درس، فلا بأس بطرح مسائل تتعلق به على الطلبة، يمتحن بها فهمهم وضبطهم لما شرح لهم، فمن طهر استحكام فهمه له بتكرار الإصابة في جوابه شكره، ومن لم يفهمه تلطف في إعادته له، والمعنى بطرح المسائل أن الطالب ربما استحيا من قوله: لم أفهم، إما لرفع كلفة الإعادة عن الشيخ، أو لضيق الوقت، أو حياء من الحاضرين، أو كيلا تتأخر قراءتهم بسببه. وقيل لا ينبغي للشيخ أن يقول للطالب: هل فهمت? إلا إذا أمن من قوله: نعم، قبل أن يفهم، فإن لم يأمن من كذبه لحياء أو غيره، فلا يسأله عن فهمه، لأنه ربما وقع في الكذب بقوله: نعم، لما قلناه من الأسباب. وينبغي للشيخ أن يأمر الطلبة بالمرافقة في الدروس كما سيأتي أن شاء الله تعالى، وبإعادة الشرح بعد فراغه فيما بينهم ليثبت في أذهانهم، ويرسخ في أفهامهم، ولأنه يحثهم على استعمال الفكر، ومؤاخذة النفس بطلب التحقيق.

الثامن:

أن يطالب الطلبة في بعض الأوقات بإعادة المحفوظات، ويمتحن ضبطهم لما قدم لمم من القواعد المهمة، والمسائل الغريبة، ويختبرهم بمسائل تبنى على أصل قرره أو دليل ذكره، فمن رآه مصيباً في الجواب ولم يخف عليه شدة الإعجاب، شكره وأثنى عليه بين أصحابه ليبعثه وإياهم على الاجتهاد في طلب الازدياد، ومن رآه مقصراً ولم يخف نفوره، عنفه على قصوره، وحرضه على علو الهمة، ونيل المنزلة في طلب العلم، لا سيما إذا كان ممن يزيده التعنيف نشاطاً، والشكر انبساطاً، ويعيد ما يقتضي الحال إعادته ليفهمه الطالب فهماً سخاً

التاسع:

إذا سلك الطالب فوق ما يقتضيه حاله، أو تحملته طاقته، وخاف الشيخ ضجره، أوصاه بالرفق بنفسه، وذكره بقول النبيِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى، ونحو ذلك مما يحمله على الأناة والاقتصار في الاجتهاد، وكذلك إذا ظهر له منه نوع سآمة، أو ضجر، أو مبادئ ذلك، أمره بالراحة وتخفيف الاشتغال، ولا يشير على الطالب بتعلم ما لا يحتمله فهمه أو سنه، ولا بكتاب يقصر ذهنه عن فهمه، فإن استشار الشيخ من لا يعرف حاله في الفهم والحفظ في قراءة فن أو كتاب، لم يشر عليه بشيء حتى يجرب ذهنه، ويعلم حاله، فإن لم يحتمل الحال التأخير أشار عليه بكتاب سهل من الفن المطلوب، فإن رأى ذهنه قابلاً، وفهمه جيداً، نقله إلى كتاب يليق بذهنه، وإلا تركه، وذلك لأن نقل الطالب إلى ما يدل نقله إليه على جودة ذهنه يزيد انبساطه، وإلى ما يدل على قصوره يقلل نشاطه، ولا يمكن الطالب من الاشتغال في فنين أو اكثر، إذا لم يضبطهما، بل يقدم الأهم، فالأهم، كما سنذكره أن شاء الله تعالى، فإذا علم أو غلب على ظنه أنه لا يفلح في فن، أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فيه فلاحه.

العاشر:

أن يذكر للطلبة قواعد الفن التي لا تنخرم، إما مطلقاً كتقديم المباشرة على السبب في الضمان، أو غالباً كاليمين على المدعى عليه، إذا لم تكن بينة، ونحو ذلك من القواعد، وكذلك كل أصل وما ينبني عليه من كل فن يحتاج إليه من علمي التفسير والحديث، وأبواب أصول الدين والفقه، والنحو والتصريف واللغة، ونحو ذلك إما بقراءة كتاب من الفن أو بتدريج وهذا كله إذا كان الشيخ عارفاً بتلك الفنون، وإلا فلا يتعرض لها، بل يقتصر على ما يتقنه منها، ومن ذلك ما لا يسع الفاضل جهله كأسماع المشهورين من الصحابة، والتابعين وأئمة المسلمين، وعلماء أهل البيت المطهرين العاملين، وأهل الزهد والصلاح من الفقهاء المحققين، وما يستفاد من محاسن آدابهم، ونوادر أحوالهم، فيحصل له مع الطول فوائد كثيرة.

الحادي عشر:

أن لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده في موت، واعتناء مع تساويهم في الصفات من سن، أو فضيلة، أو تحصيل، أو ديانة، فإن ذلك ربما يو حش الصدور وشفر القلوب، فإن كان لأحدهم فضيلة، فأظهر إكرامه لأجلها فلا بأس بذلك، لأنه ينشط ويبعث على الاتصاف بتلك الصفات، ولا يقدم أحداً في نوبة الآخر، إلا إذا رأى في ذلك مصلحة تزيد على مصلحة مراعاة النوبة، أو سمح الطالب بذلك كما سيأتي إن شاء الله وينبغي أن يتودد لحاضرهم ويذكر غائبهم بخير وحسن ثناء، وينبغي أن يستعلم عن أسمائهم وأنسابهم ومواطنهم وأحوالهم، ويكثر الدعاء لهم.

الثاني عشر:

أن يرقب أحوال الطلبة في آدابهم وهديهم وأخلاقهم باطناً وظاهراً، فمن صدر منه من ذلك ما لا يليق من ارتكاب محرم أو مكروه، أو ما يؤدي إلى فساد حال، أو ترك اشتغال، أو إساءة أدب في حق الشيخ أو غيره، أو كثرة كلام بغير توجيه ولا فائدة، ومعاشرة من لا تليق معاشرته، أو نحو ذلك مما سيأتي أن شاء الله تعالى في آداب المتعلم، عرض الشيخ بالنهي عن ذلك بحضور من صدر منه ذلك، غير معرض به، ولا معين له، فإن لم ينته نهاه عن ذلك سراً، ويكتفي بالإشارة مع من يكتفي بها، فإن لم ينته نهاه عن ذلك جهراً، ويغلظ القول عليه أن اقتضاه الحال، ليزجر هو وغيره، ويتأدب به كل سامع، فإن لم ينته فلا بأس بطرده والإعراض عنه إلى أن يرجع، وكذا يتعاهد ما يعامل به بعضهم بعضاً من إفشاء السلام، وحسن التخاطب في الكلام، والتحابب، والتعاون على البر والتقوى، وعلى ما هم بصدده.

الثالث عشر:

أن يسعى في مصالح الطلبة وجمع قلوبهم، ومساعدتهم بما تيسر من جاه أو مال عند قدرته على ذلك، وسلامة دينه وعدم ضرره، فإن الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن يسر على معسر يسر الله عليه حسابه يوم القيامة، ولا سيما إذا كان ذلك إعانة على طلب العلم، وإذا غاب بعض الطلبة، أو ملازمي الحلقة زائداً على العادة، سأل عنه فإن لم يخبر عنه بشيء، أرسل إليه وقصد منزله بنفسه، وهو أفضل، فإن كان مريضاً عاده، وإن كان في غمّ خفض عليه، أو في أمر يحتاج إليه فيه أعانه، وإن كان مسافراً يفقد أهله ومن يتعلق به، وسأل عنهم ويعرض لحوائجهم ووصلهم بما أمكن، وإن لم يكن في شيء من ذلك تودد إليه ودعا له. واعلم أن الطالب الصالح أعود على العالم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه، واقرب أهله إليه.

الرابع عشر:

أن يتواضع مع الطالب وكل مسترشد، إذا قام بما يجب عليه من حقوَق الله وحقوقه، ويخفض له جناحه، ويلين له جانبه، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: )و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين(. وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا، وما تواضع أحد إلا رفعه الله. وهذا في التواضع، لمطلق الناس، فكيف من له حق الصحبة وحرمة التردد، وصدق التودد، وشرف الطلب، فهم كأولاده. وفي الحديث: "لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه".
وعن الفضل: "أن الله يحب العالم المتواضع ويبغض الجبار، ومن تواضع لله ورثه الله الحكمة". ويخاطب كلا منهم بكنيته ونحوها، من أحب الأسماء إليه وما فيه تعظيم له وتوَقير. وعن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يكني أصحابه إكراماً لهم. وينبغي أن يرحب بالطلبة إذا لقيهم وعند إقبالهم عليه، ويكرمهم إذا جلسوا إليه ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم، ويعاملهم بطلاقة الوجه وظهور البشر، وحسن المودة، ويزيد في ذلك لمن يرجى فلاحه ويظهر صلاحه ويضع الحكمة في موضعها.

اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد

والحمدلله رب العالمين
جميع المواضيع و الردود تعبر عن الرأي الشخصي للعضو وادارة منتدى استراحة الغرباء لاتتحمل اية مسئولية اتجاه الغير

تنبيه
الموضوع الأصلي : آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته -||- المصدر : استراحة الغرباء -||- الكاتب : ترجمان

Untitled 2

اخر مواضيع منتدى استراحة الغرباء

↑ Grab this Headline Animator

توقيع ترجمان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

 مواضيع مماثلة

-
» حكمة العلماء
» امثال روتها العلماء
» آداب طلبة العلم
» ثلاثة اسئلة حيرت العلماء
صفحة 1 من اصل 1

خدمات الموضوع
 KonuLinki رابط الموضوع
 Konu BBCode BBCode
 KonuHTML Kodu HTMLcode
إذا وجدت وصلات لاتعمل في الموضوع او أن الموضوع [ آداب العلماء في علمه , درسه , مع طلبته ] مخالف ,, من فضلك راسل الإدارة من هنا
صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إستراحة الغرباء :: نور على الطريق :: إرشادات للمسافرين-
©phpBB | منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع