ضريح العارف بالله مولاي عبد السلام إبن مشيش( 559 هـ - 626 هـ / 1729 - 1798 م ) / جبل العلم- شمال المغرب
لعله ما من مبالغة في المقولة الشهيرة : ” إذا كان المشرق بلد الأنبياء ، فالمغرب بلد الأولياء ” ، ولا يمكن الحديث عن المغرب دون الحديث عن خط ولاية النبي محمد صلى الله عليه وآله ، وآله الأطهار عليهم السلام ، وقد شكل التصوف مظهرا ولائيا متميزا في المشهد الثقافي والديني والروحي للمغاربة على امتداد قرون من الزمن ، وهو الأمر الذي جعل العديد من الباحثين والمختصين يسلطون الضوء على فكرة التصوف وصلته بمفهوم التشيع لآل بيت النبوة ..ومن تلك الأبحاث المهمة كتاب “الصلة بين التصوف والتشيع” لكاتبه العراقي الدكتور كامل مصطفى الشيبي ، وقد بين الدكتور أوجه العلاقة المختلفة والوطيدة بين مفهوم التشيع ومفهوم التصوف ، وكذا على مستوى بعض التعبيرات العقدية الصريحةفي التشيع والرمزية في التصوف .
فمفهوم “الولاية” في خط التصوف هو أيضا مرتبط بآل بيت النبي ص ، وهو أعظم مرتبة من “الخلافة” وهو ما فصله الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله في كتبه وخاصة كتابه الهام ”فصوص الحكم” ، و”الولي” في مفهوم أهل التصوف يتصف بصفة العصمة من الله” ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون” ، وبالعودة إلى مفهوم “الإمامة” أو “الولاية” لدى الشيعة ، نجده أيضا متصلا بآل بيت النبي ص ، وله مكانة عظيمة تفوق مرتبة ”الخلافة” ، كما يتصف “الولي” و “الإمام” بصفات عديدة أهمها “العصمة” بأدلة ليس ها هنا محل بسطها .
كما لا نستغرب عندما نقف عند مركزية الفكر المهدوي لدى الصوفية ، في تأكيد على موقعية خاتم أولياء الله الإمام المهدي المنتظر ، والذي دافع عن وجوده العارف بالله سيدي عبد الله بن الصديق رحمه الله ، وهو يرد على نفيه من قبل ابن خلدون في كتابه “الوهم المكنون في كلام ابن خلدون” ، وأيضا الشيخ العارف محي الدين بن عربي الذي أفرد لهذا الموضوع كتابا خاصا أسماه ” عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب ” .
بطبيعة الحال ، هناك بعض التفاوتات داخل المدارس والطرق الصوفية ، في فهم وتأويل كثير من المعتقدات وتقديمها ، فهناك من وسع من مفهوم “الولاية” لتشمل كل العارفين بالله ، ومنهم من اقتصر في ذكرها على الأئمة من أهل البيت ع ، ومنهم من جعل لمرتبة شيخ الطريقة ومؤسسها الأول مرتبة الإمام المهدي المنتظر ع .
ومن اللافت للنظر ، أن شيخ الطريقة الشاذلية المشيشية ذات الأصل المغربي ، العارف بالله نور الهدى الإبراهيمي الأندلسي حفظه الله ، قد رد على من ادعى للإمام الشاذلي مرتبة الإمام المهدي المنتظر ع ، كما أن سماحة الشيخ حفظه الله اعتبر أن الإمام المهدي سر من أسرار الله في غيبته وظهوره ، وإتماما للفائدة ولعظيمها ، اقتطفنا هذا النص من مقالات الشيخ حفظه الله :
” لا شك أن مقام مولانا أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه سلام الله عليه مقام رفيع في الولاية بحيث أن هناك إجماع على أنه لم يأتي بعده مثله إلا أن يكون هناك وليا من الأفراد من جلساء الغوث وأصحابه و لو تباعد تواجدهم التاريخي , فرد مفرد من أوتاد المجلس الإلهي النبوي المقدس, و من السكان الأزليين بجنب الحضرة الربانية على منابر من نور مرصودة لأهلها لا يتناهى إلا إليها , لكن قول المؤلف يتناقض و الأحاديث المتواترة عن رسول الله والأئمة الأطهار عليهم السلام و تقريرات السادة الأولياء و العلماء الربانيون إلا شطحات لبعض الناقلين عن كتب العرفان الصوفي دون معرفة دقيقة بكلامهم ممن لم يمزج المطالعة بالسلوك , ولهذا وجب التوضيح بإيجاز , ليعلم السامع والناظر أن كل العارفين السادة الأولياء عليهم السلام يعرفون كل دقيقة من أخبار أهل الله كانوا أنبياء أو أولياء على مراتبهم, لكن هناك أمور مشتركة لا يكون الولي وليا لله حتى يعرفها ولو على سبيل الإجمال, خاصة كون رسول الله خاتم الرسل و الأنبياء ولا نبي بعده عليه وعلى آله الصلاة والسلام وأن باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأن الأئمة المفترضين الطاعة والذين أكمل الله بهم الدين هم عدة أشهر الله اثنا عشر رجلا إماما سيدا ووليا و أن خاتمتهم القائم المنتظر في غيبته كما غاب نبي الله موسى عليه السلام , و المطاع في ظهوره , وأنه خليفة الله الذي خلقه على صورته و أيديه بما أيد به جده عليه وعلى آله الصلاة والسلام ليعيد الحياة إلى أمة الإسلام ” .
إن التصوف في المغرب وفي انطلاقته الأولى من خلال منهج وطريقة مولاي عبد السلام بن مشيش قده ، وسيرا على منهج خلفه الإمام أبي الحسن الشاذلي قده ، وصولا إلى مشايخ الطريقة في المراحل المتأخرة كالشيخ ماء العينين قده ، وهو من واجه ببسالة الاستعمار الإسباني ، وابنه الشيخ أحمد الهيبة قده ، ودوره في المقاومة المسلحة للاستعمار ، وصولا إلى تجديد أسس هذه الطريقة وتعميق مبادئها الفكرية على يد العارف نور الهدى الإبراهيمي الأندلسي حفظه الله ..كل ذلك لا يتعارض في جوهره وخطوطه العامة مع طبيعة الخط الولائي لأهل البيت ع في مدرسة “التشيع” ..وهو الأمر الذي يجعلنا نعتقد أن التصوف والتشيع هما مظهران لحقيقة واحدة ، وهي حقيقة الانتماء لخط أهل البيت ع ..فكلتا المدرستين تؤكدان على اصالة منهجهما بإرجاعه لتراث أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله من طريق الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
من هنا ، فإن أي حديث عن إحياء التصوف في المغرب ، ودعم مكانته ، هو حديث يصب اساسا في خدمة ترسيخ حالة الانتماء الولائي لآل البيت ع ، ويكرس الوجه الروحي لهذا الانتماء ، مما سيساهم في تخفيف حجم الضغط الطائفي والشحن المذهبي بين التيار الوهابي والشيعي ، والذي تفجر بفعل عوامل سياسية بحتة ، كما سيساهم في التخفيف من ضغط النزعات المادية لعالمنا المعاصر ، وإعطاء العقل المفرط جرعات من الروحانية العرفانية ..
جميع المواضيع و الردود تعبر عن الرأي الشخصي للعضو وادارة منتدى استراحة الغرباء لاتتحمل اية مسئولية اتجاه الغير