__________________________________
1 . رهينة: من الرهن. جعل ذمته رهناً على ما يقول.
2 . زعيم: كفيل بصدق ما يقول.
3 . العبر: ما أصاب النّاس من «مثلات» عقوبات إذا دعاها الإنسان على سبيل الإعتبار، فيتعظ بتجربة الّذين أصابتهم العقوبات من قبله.
4 . الشّبهات: الأفعال والمواقف الغامضة الّتي لم يبت في الشرع الرخصة في فعلها. يريد أنّ العبرة بالماضين تحجر الإنسان عن الوقوع فيما وقعوا فيه من أخطاء.
5 . رجعت البلية كما كانت في الماضي الجاهلي.
6 . البلبلة: الإختلاط، كناية عن الأزمات الإجتماعية والثّورات.
7 . الغربلة: من الغربال: يريد أنّ التجارب الآتية ستميّز المواقف، وتكشف الأشخاص على حقيقتهم.
8 . السوط: الخلط - سوط القدر: كما تمزج مواد الطبخ في القدر، وتختلط وتغلي سيكون المجتمع نتيجة للثّورات والأزمات الإجتماعية.
9 . نهج البلاغة - رقم الخطبة 16.يقول لهم: إنّ البليّة (الفساد الإجتماعي، والإنحطاط الأخلاقي والحضاري) الّتي كانت تسم الحياة العربية في الجاهلية نتيجة لسيادة قيم الجاهلية ونظرة الجاهلية إلى الكون والحياة والإنسان - هذه البليّة قد عادت كما كانت عشية بعثة الرسول الأكرم (ص) لأنّ القيم الّتي ولّدت هذه البليّة في الماضي الجاهلي قد دبّت فيها الحياة من جديد على حساب القيم الجديدة الّتي جاء بها الإسلام، هذه القيم الّتي تقلّص نفوذها وتأثيرها، بسبب عوامل متنوعة، على الإنسان المسلم، وأدّى ذلك إلى حدوث ثغرات نفذت منها القيم القديمة فعادت من جديد.
ثم أنذر الإمام علي مجتمعه بأنّ هذه البليّة الّتي عادت ستكون لها آثار مأساوية على المجتمع الإسلامي.
ستنجم عن هذه البليّة الأزمات الإجتماعية والثورات الّتي ستلقي بالمجتمع في غمار حروب أهلية مدمّرة، ولا بدّ أن تكون هذه الأزمات والحروب الأهلية أضرس، وأعم شراً، وأشدّ فتكاً مِمّا كان يحدث في الجاهلية.
ستكون في المجتمع نتيجة لعودة هذه البليّة بلبلة (اختلاط وتداخل) وشد وجذب ينتج عن الأزمات والثورات ويولّدها.
وسيكون حال المجتمع - نتيجة لهذه البليّة العائدة - حال القدر التي تغلي على النار وتختلط فيها المواد، ولا يستقر على حال، ولا ينعم بالطمأنينة، وإنّما هو في قلق دائم، واضطراب مستمرّ.
سيؤدّي ذلك إلى الغربلة، وتمييز مواقف الرجال والجماعات، لأنّ المحن والأزمات تفرز الفئات الإجتماعية، وتحدّد سماتها.
ولكن كلّ ما سيحدث لن يتضمّن شيئاً من الخير، بل سيعود على المجتمع بالشّرور، وسيؤدّي بالمجتمع إلى التمزق الّذي يشلّ الفاعلية، ويعطّل الطاقات الإيجابية، بل يهددها، ويعوق حركة التقدّم.
ستكون جاهلية تتغشّى بشعارات الإسلام، جاهلية بعثتها القيم الجاهلية الّتي عادت إلى الحياة، فكانت هي، بدل القيم الإسلامية الجديدة، الأسباب الموضوعية
لتحريك الإنسان المسلم في الزّمان والمكان.
هكذا يصوّر الإمام عودة التّاريخ.
*
وفي خطبة أخرى خطبها الإمام بذي قار1 وهو في طريقه من المدينة إلى البصرة بعد أن خرج عليه الزبير بن العوام وطلحة بن خويلد وأمّ المؤمنين عائشة فاتحين بخروجهم أبواب الفتنة الّتي عصفت بالمسلمين، والحرب الأهلية الّتي مزّقت وحدتهم... هذه الفتنة الّتي ولّدتها القيم الجاهلية الّتي تنبّأ الإمام بها في خطبته الأولى... في هذه الخطبة بيّن الإمام عليه السّلام أنّ مسيره لمواجهة المظهر الأول للفتنة هو كمسيره مع رسول اللّه (ص) لمواجهة قوى الجاهلية، وأنّ الروح المحركة واحدة في الحالين رغم اختلاف المظهر الخارجي الّذي قد يوحي للساذجين بخلاف ذلك، ولكنّه لا يخدع الخبير.
قال عليه السلام:
«... أما واللّه إن كُنتُ لفِي ساقتِها2 حتّى تولَّت بِحذافيرِها3 ما عجزتُ ولا جبُنتُ. وإنَّ مسيرِي هذا لِمِثلِها، فلأَنقُبنَّ4 الباطِل حتَّى يخرُج الحقُّ مِن جنبِهِ. مالي ولِقُريش!! واللّه لقد قاتلتُهم كافرِين، ولأُقاتِلنَّهُم مفتُونين، وإنّي لصاحِبُهُم بِالأمسِ كما أنا صاحِبُهُمُ اليومَ»5.
كان الإمام يتحدث عن شأن الجاهلية في مواجهة الإسلام، وعن كفاحه مع رسول اللّه (ص) ضد الجاهلية. ثم بيّن أنّ مسيره هذا إلى البصرة لمثل ما كان يكافحه من مظاهر عناد الجاهلية في حياة رسول اللّه (ص).
إنّ التاريخ قد عاد، ولكن تحت شعارات جديدة.