أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتديات يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا ، أما إذا كنت أحد أعضاءنا الكرام فتفضل بتسجيل الدخول بالضغط هنا . لو رغبت بقراءة المواضيع و لإطلاع فقط فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
</FONT>هل يجوز نداء أولياء اللّه و الاستغاثة بهم في الشدائد و المكاره؟ هذه المسألة من المسائل التي وقع الاختلاف فيها بين الوهّابيّين و غيرهم. فالسُّنَّة الإسلامية قائمة بين المسلمين على الاستغاثة بالأنبياء و أولياء اللّه، و ندائهم بأسمائهم عند الشدائد و المصاعب و الأخطار المحتملة، سواء كانت الاستغاثة عند قبورهم الشريفة أو في مكان آخر. و لا يرى المسلمون بأساً في هذه الاستغاثة، و لا شِركاً و لا مُخالفةً للدين، في حين يتعصَّب الوهّابيّون ضدّ هذه الظاهرة الإسلامية تعصُّباً شديداً، و يتذرَّعون ببعض الآيات القرآنية ـ التي لا علاقة لها بالمسألة أبداً ـ لتلبيس باطلهم بالحق، كقوله تعالى : </FONT>
(وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحدَاً)(1).و لكي تطّلع ـ أيّها القارئ الكريم ـ على الآيات القرآنية التي يستدلّ بها</FONT>
ــــــــــــــــــــــ 1. الجن: 18.
الوهّابيّون على رأيهم الشاذ، نتناول تلك الآيات بالبحث و التشريح ـ إن شاء اللّه تعالى ـ كي تعرف تفسيرها الصحيح، وبذلك نردّ عليهم من نفس القرآن الكريم الذي زعموا أنّهم يستدلّون به، قبل كلّ شيء نذكر بعض تلك الآيات:</FONT>
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجيبُونَ لَهُمْ بِشَيء...)(1). (وَ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتطيعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لا أنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ)(2). (...وَ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمير)(3). (إنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أمْثالُكُمْ...)(4). (قُلِ ادْعُوا الَّذينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْوَ لا تَحْويلا)(5). (أُولئِكَ الَّذينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الْوَسيلَةَ...)(6). (وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ...)(7). (إنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ...)(. (وَ مَنْ أضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ...)(9). ــــــــــــــــــــــ 1. الرعد: 14. 2. الأعراف: 197. 3. فاطر: 13. 4. الأعراف: 194. 5. الإسراء: 56. 6. الإسراء: 57. 7. يونس: 106. 8. فاطر: 14. 9. الأحقاف: 5.
بهذه الآيات يستدلّ الوهّابيّون على حرمة الاستغاثة بأولياء اللّه و دعائهم و ندائهم بعد وفاتهم، و أنّ ذلك عبادة لهم و شرك باللّه، فإذا قال رجل ـ عند قبر رسول اللّه </FONT>ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أو في مكان آخر ـ : «يا مُحَمَّد» فقَد عَبَده بهذا النداء و الدعاء!!! يقول الصنعاني ـ الوهّابي ـ : </FONT> «و قد سمّى اللّه الدعاء عبادة بقوله: </FONT>(ادْعُوني أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي)و مَن هتَف باسم نبي أو صالح بشيء، أو قال «إشفع لي إلى اللّه في حاجتي» أو «أستشفِعُ بك إلى اللّه في حاجتي» أو نحو ذلك، أو قال «إقضِ دَيني» أو «إشفِ مريضي» أو نحو ذلك فقد دعا النبىّ والصالح، و الدعاء عبادة بل مُخُّها، فيكون قد عبد غير اللّه و صار مشركاً، إذ لا يتمّ التوحيد إلاّ بتوحيده تعالى في الإلهيّة(1) باعتقاد أن لا خالق و لا رازق غيره، و في العبادة بعدم عبادة غيره و لو ببعض </FONT>العبادات، و عُبّاد الأصنام إنّما أشركوا لعدم توحيد اللّه في العبادة»(2).</FONT> الجواب: ممّا لا شكَّ فيه أنّ لفظ «الدعاء» ـ في اللغة العربية ـ معناه: النداء، و قد يُستعمل في معنى العبادة، إلاّ أنّه لا يمكن ـ بأىّ وجه ـ أن نعتبر الدعاء و العبادة لفظين مترادفين في المعنى، فلا يمكن أن نقول: كلّ دعاء عبادة، و ذلك للأُمور التالية:</FONT> الأوّل: لقد استعمل القرآن المجيد لفظ «الدعاء» في مواضع عديدة، و لا يمكن القول بأنّ مقصوده منه: العبادة، فمَثلا... يقول تعالى:</FONT>
ــــــــــــــــــــــ 1. لقد استعمل الصنعاني كلمة «الإلهيّة» بدل «الربوبيّة» على خلاف عادة الوهّابيّين. 2. كشف الارتياب: 273ـ274 نقلا عن تنزيه الاعتقاد للصنعاني.
(قالَ رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمي لَيْلا وَ نَهاراً)(1).فهل يصحّ أن يُقال: إنّ النبىّ نوحاً </FONT>ـ عليه السلام ـ قَصد من كلامه هذا أنّه عَبد قومه ليلا و نهاراً؟! و اقرأ قوله تعالى ـ عن لسان إبليس في خطابه للمذنبين يوم القيامة ـ : </FONT>
(...وَ ما كانَ لي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطان إلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي)(2).هل هناك من يحتمل أنّ معنى دعاء الشيطان للمذنبين هو عبادته لهم؟! مع العلم أنّ العبادة ـ إذا تحقّقت ـ تكون من المذنبين للشيطان لا من الشيطان لهم.</FONT> في هاتين الآيتين ـ و آيات أُخرى مماثلة نغضّ النظر عن ذِكرها ـ جاء لفظ «الدعوة» في غير معنى العبادة، و لهذا لا يمكن القول بأنّ الدعاء و العبادة لفظان مُترادفان، و أنّ مَن دعا أحد الأنبياء أو الأولياء فقد عَبَده و أشرَك باللّه، كلاّ، لأنّ الدعوة ـ و الدعاء ـ أعمّ من العبادة و غيرها.</FONT>(3)
الثاني: إنّ معنى «الدعاء» ـ في الآيات التي استدلَّ بها الوهّابيّون ـ ليس مطلق النداء، بل معناه النداء على وجه يكون مُرادفاً للعبادة، لأنّ جميع هذه الآيات إنّما نزلت في شأن عَبَدة الأصنام الذين كانوا يعتقدون بأنّها آلهة صغيرة قد فُوِّض إليها بعض شؤون الكون، و لها الاستقلال في التصرُّف، فمن الواضح أنّ كلَّ دعاء ــــــــــــــــــــــ 1. نوح: 5. 2. إبراهيم: 22. 3. و على اصطلاح أهل المنطق، بين الدعاء و العبادة عموم و خصوص مِن وَجه، فالاستغاثة بأولياء اللّه ـ مع الاعتقاد بقدرتهم المستمدَّة من قدرة اللّه ـ دعاء لا عبادة، و بعض الفرائض الدينية كالركوع و السجود ـ المقرونين بالوهيّة من تركع و تسجد له ـ عبادة لا دعاء، و الصلاة ـ مثلا ـ دعاء و عبادة.
ونداء لهذه الأصنام ـ سواء كانت آلهة كبيرة أو صغيرة ـ مع الاعتقاد بأنّها مالكة الشفاعة و المغفرة، يُعتبر شركاً و عبادةً لها.</FONT> و أوضح دليل على أنَّ عَبَدة الأصنام كانوا يدعون أصنامهم باعتقاد إلوهيَّتها هو قوله تعالى: </FONT>
(...فَما أغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيء...)(1).إذن: لا علاقة بين الآيات المذكورة و هذه المسألة إطلاقاً، لأنّ البحث حول استغاثة إنسان بإنسان آخر من دون الاعتقاد بربوبيَّته و إلوهيّته و لا بمالكيّته و لا باستقلاله في التصرّف في أُمور الكون و الدنيا و الآخرة، بل باعتبار أنّه عَبدٌ صالح و وجيهٌ عند اللّه، قد اصطفاه اللّه للنبوّة أو للإمامة، و وَعد باستجابة دعائه في حقّ مَن يدعو له، كما قال تعالى :</FONT>
(...وَ لَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ جاءُوكَ فَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحيماً)(2).الثالث: إنّ في الآيات ـ التي استدلَّ بها الوهّابيّون ـ دليلا على أنّ المقصود من «الدعاء» هو العبادة لا مطلقاً.</FONT> تأمَّل قولَه تعالى: </FONT>
لقد ذكر سبحانه لفظ «ادْعُوني» ثم أتبعها بلفظ «عِبادَتي» ممّا يدلّ ـ دلالة واضحة ـ على أنّ المقصود من «ادْعُوني» ـ هنا ـ : عبادة اللّه و ترك عبادة غيره. و لهذا كان المشركون «يَسْتَكْبِرُونَ» عن دعائه و عبادته سبحانه.</FONT> يقول حفيد رسول اللّه الإمام زين العابدين </FONT>ـ عليه السلام ـ في دعاء له: «...فَسَمَّيتَ دُعاءَكَ عِبادَةً، وَ تَرْكَهُ اسْتِكْباراً، وَ تَوعَّدْتَ عَلى تَركِهِ دُخول جَهَنَّمَ داخِرينَ»</FONT>(1).</FONT> و قد جاءت في القرآن الكريم آيتان بمعنى واحد، استعمل في إحداها لفظ «العبادة» و في الثانية لفظ «الدعوة». </FONT> فالأُولى قوله سبحانه:</FONT>
(قُلْ أتَعْبُدونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرَّاً وَ لا نفْعاً...)(2).و الثانية هي قوله سبحانه:</FONT>
(قُلْ أنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا...)(3).و يقول سبحانه:</FONT>
(...وَ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دوُنِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمير)(4).في هذه الآية جاء بلفظ «تَدْعُونَ» و فيها دلالة و اضحة على أنَّ هذه الدعوة هي دعوة الأصنام، و كان المشركون يعتقدون بأنّها آلهة «مِنْ دُونِهِ» تضرُّ و تَنفع، و لهذا رَدَّ اللّه عليهم بقوله: </FONT>(ما يَمْلِكُونَ مِنْ قطمير).
و جاء هذا المعنى في آية مماثلة بلفظ «تَعْبُدُونَ» و هي قوله سبحانه:</FONT>
(...إِنَّ الَّذينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً...)(1).و في آية أُخرى جاءت الكلمتان مُتقارنتين بمعنى واحد، و هي قوله عزَّوجلّ: </FONT>
(قُلْ إِنِّي نُهيتُ أَنْ أَعبُدَ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ...)(2).أيّها القارئ الكريم: أرجو منك أن تقوم بمراجعة «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم» مادَّة: «عَبَد» و «دعا» كي ترى بعينك كيف جاء لفظ «العبادة» ـ في آية ـ و «الدعوة و الدعاء» ـ في آية أُخرى ـ بمعنى واحد و مضمون واحد، ممّا يدلّ ـ أوضح دلالة ـ على أنّ المقصود من الدعوة و الدعاء ـ في هذه الآيات ـ هي العبادة، لا مطلق النداء و الدعاء.</FONT> فإذا تأمَّلتَ الآيات الّتي تَضمَّنت لفظ «الدعاء و الدعوة» بمعنى العبادة، لرأيت أنّ تلك الآيات تتحدّث عن الصراع بين الإيمان و الكفر، بين عبادة اللّه و توحيده و الإيمان بإلوهيَّته و ربوبيَّته و بين عبادة الطاغوت و الأنداد و الأصنام و الاعتقاد بمالكيّتها للرزق و المغفرة و الشفاعة و النفع و الضرّ.</FONT> فاستدلال الوهّابيّين بهذه الآيات ـ على حرمة نداء الأنبياء و الأولياء والاستغاثة بهم ـ يدعوا إلى الاستغراب و التعجّب، نظراً لعدم علاقتها بهذه المسألة إطلاقاً.</FONT> و خلاصة ما ثبت ـ من خلال هذا البحث ـ : إنّ قولك «يا علي» مخاطباً خليفة رسول اللّه ـ أو «يا حسين» أو «يا زهراء» أو غير ذلك من أسماء أولياء اللّه</FONT>
ــــــــــــــــــــــ 1. العنكبوت: 17. 2. الأنعام: 56، و بهذا المضمون في سورة غافر: آية 66.
الطاهرين لا إشكال فيه أبداً، بل هو نوع من الاستغاثة بهم ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ فلو جازت الاستغاثة في حياتهم لجازت بعد رحليهم ولا يتصور ان يكون عمل واحد نفس التوحيد في حال الحياة و عين الشرك بعد الممات، و قد تقدم منّا انّ الحياة و الموت رمز الحدوث و عدمه، لاالتوحيد و الشرك، وعلى كلّ تقدير فالاستغاثة بعباد الله المخلصين بغية دعائهم لرفع المحن والكرب محبوب مرغوبٌ فيه، و يعود على الإنسان بالخلاص من الأزمات و الفَرَج من الشدائد و النجاة من المهالك.
من كتاب الوهابية في الميزان
جميع المواضيع و الردود تعبر عن الرأي الشخصي للعضو وادارة منتدى استراحة الغرباء لاتتحمل اية مسئولية اتجاه الغير