يستعرض لنا القرآن الكريم من خلال هذه الآيات البينات صوراً مشرقة تحكي
إهتمام الإسلام البالغ بالمرأة، وإنها على حد سواء بدرجة الرجل تحاسب ما
يحاسب، فكما أن الرجل يكون من الصالحين، فكذلك بإمكان المرأة أن تكون كذلك،
وكل عمل يقوم به الرجل فكذلك يمكنها أن تقوم بأعمال تقربها إلى الله تعالى .
ومما يلاحظ من خلال هذه الآيات ان الله تعالى لم يفرق في الخطاب بينها وبين
الجنس الآخر ، وهنالك إشارات لطيفة نبه عليها القرآن الكريم بخصوص الرجل
والمرأة، وهذا مما يدل على عظيم التكريم الذي حصلت عليه المرأة في ظل القرآن
الكريم والإسلام الحنيف، حيث ان الله تعالى من آياته العظيمة ان خلق المرأة
والرجل من نفس واحدة، وجعل بينهما المودة والرحمة والسكينة لتستقر بذلك
العائلة وتهدأ، وتكون حياتها مطمئنة وناجحة في مسيرها الحياتي لتأتي الثمرة
من البنين والحفدة وما يحيط بهم من طيبات الرزق، فتوجد بذلك الشعوب والقبائل
ويحصل التعارف بينهم ويتجلى هذا التكريم للمرأة فيما قرره من تشريعات :
أولا: قرر الله سبحانه وتعالى مساواة الرجل بالمرأة في الانسانية (في حقوق
الانسان للرجل والمرأة معا)، وانها مغرس للنوع الانساني، وانها بمقتضى ذلك
تستحق كل إكبار واحترام، قال تعالى : {والله جعل لكم من انفسكم أزواجا وجعل
لكم من ازواجكم بنين وحفدة}.
فان الله سبحانه وتعالى خلق المرأة من جنس الرجل ، فهي ليست غريبة عنه، وجعل
للرجال البنين والحفدة، وبذلك تكون مشاركة للرجل في بناء حياة الأسرة التي
تحمل اسمه وترفع ذكره وتبقي أثره، حتى ورد عن الرسول الأعظم : (إنما النساء
شقائق الرجال) .
واذا كانت المرأة شقيقة الرجل ومساوية له في الطبيعة الانسانية، فان لها من
الحقوق مثل ما له منها، كحق التملك، وحق الإرث، وحرية التعاقد والتصرف بالمال
في البيع والشراء والهبة وحق اختيار زوجها، وانها لن تكره على زواج لو كان
المكره أباها.[b][size=25]ثانيا : ان المرأة إذا كانت مساوية للرجل في الانسانية، فهي بذلك مساوية له
في تكاليف الايمان والعمل الصالح لتهذيب نفسها ولتبليغ الكمال الذي أعده الله
للمؤمنين العاملين، ولتكون أقدر على الاسهام بعقلها وقلبها في ترقية الحياة
واعلائها .
ثالثا : ان باب الرقي الروحي مفتوح أمامها وانها تستطيع ان تنال من ذلك مثل
ما ينال الرجل، وهذا يعني المساواة في الكمالات النفسية، وفي الطهارات
الروحية، وبهذا يندحض الرأي القائل بان المرأة روح شريرة، وقد أورد القرآن في
ذلك مكالمة الملائكة للسيدة العذراء مريم (ع): {واذ قالت الملائكة يا مريم ان
الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ، يا مريم أقنتي لربك واسجدي
واركعي مع الراكعين}. سورة آل عمران ، الآية 42، 43
رابعا : قد قرر الإسلام ان من حق الزوجة على زوجها ان يعلمها إذا لم تكن
متعلمة (وهو يعني المساواة في حق التعليم) ما يجب عليها علمه، فان لم يعلمها،
وجب عليها ان تتعلم لان (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) ، فإذا كان
العلم بهذه المثابة فالمرأة والرجل فيه سواء، لانها مكلفة مثل الرجل من جهة
ولحاجتها إلى استكمال شخصيتها من جهة أخرى، وكل ما فرضه الله على الرجل، فهو
مفروض على المرأة ، إلا في بعض الأمور الخاصة بالنساء، ومن أهم الأمور التي
ينبغي ان تتعلمها كيفية تدبير منزلها وتربية أولادها، لتجعل من بيتها جنة ومن
أولادها أبناء ورودا نافعين لأسرهم وأوطانهم .
ومن الصور الرائعة التي ساوى بها القرآن بين الرجل والمرأة ، قوله تعالى
:{المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله} .
سورة التوبة ، الآية 71
فإن الله سبحانه وتعالى، قد جعل المؤمن والمؤمنة على حد سواء في التكريم
وتحقيق مفهوم المساواة بينهما لا سيما في أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي[b][size=25]عن المنكر، والقرآن الكريم لم يخص الرجل دون المرأة في أداء هذا الواجب، بل
جعل كلا منهما على قدم المساواة في الوظيفة الشرعية والاجتماعية، وقوله تعالى
: {من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}. [سورة النحل،
الآية 97] .. يعني المساواة في الحقوق والوظيفة الاقتصادية